Skip to main content

أبرز مميزات مقياس «Rasch» لتحليل البيانات البحثية

 

 

كنت قد عقدت العزم أثناء بحثي للدكتوراه أن استخدم برنامج «SPSS» في تحليل البيانات الخام حال توفرها لدي؛ سواء في الامتحان القبلي أو البعدي أو في استطلاع الرأي، وذلك تماشيًا مع الكثير من الباحثين في الدراسات السابقة التي استعرضتها آنذاك، ولكني فوجئت فيما بعد باقتراح من مشرفي باستخدام مقياس راش Rasch Measurement Model عوضًا عن ذلك، فوجدت نفسي مضطرًا للتسليم لرغبة المشرف على مضض في بادئ الأمر وأن أنخرط بالتالي في عدة دورات مع مدرب خاص للتعرف على هذا المقياس والتعلم على كيفية استخدامه والقراءة المكثفة عنه ومتابعة شروح عديدة له في اليوتيوب.

والحقيقة أنه بقدر ما كان ذلك الاقتراح متعبًا لي ومؤخرًا لتخرجي بقدر ما فتح لي هذا المقياس من الآفاق الجديدة للتحليل والنقاش والبحث في دراسات أخرى لم يكن لاستخدام برنامج «SPSS» أن يفتحها، فما هي يا ترى بعض ميزات هذا المقياس؟

في الحقيقة أن لمقياس «Rasch» العديد من الميزات لعل من أبرزها أنه يعطي متوسطًا معياريًا مستقلاً لكل فقرة من فقرات أي امتحان أو استطلاع رأي، فهو يعطي مقياسًا بشكل عمودي يستطيع الباحث من خلاله التعرف على مدى بعد أو قرب متوسط كل فقرة من النطاق الطبيعي، والأهم من ذلك أنه يبين للباحث أيضًا بالتحديد الفقرات الشاذة خارج ذلك النطاق إن وجدت.

هذه الميزة قد لا تكون متاحة من قبل العديد من البرامج الأخرى لأن هذا الشذوذ «abnormality» قد يتلاشى ويختفي عندما يتم جمع ودمج المتوسط المعياري المستقل للفقرات الشاذة مع بقية فقرات الامتحان أو استطلاع الرأي، وبالتالي يفوت على الدارس بحث هذا الشذوذ إن وجد ومناقشة أسبابه واقتراح حلول وتوصيات جوهرية في الدراسة.

على سبيل المثال، يستطيع هذا المقياس أن يقسم الفقرات إلى «فقرات بالغة الصعوبة» و«فقرات متوسطة الصعوبة» و«فقرات سهلة» و«فقرات بالغة السهولة»، وذلك حسب المتوسط المعياري المستقل كل فقرة، فالفقرات بالغة الصعوبة في هذا المقياس تعتبر شاذة، لأن العديد من الطلاب المتميزين لم يستطيعوا الإجابة عليها، وكذلك الفقرات بالغة السهولة تعتبر أيضًا في هذا المقياس شاذة لأن العديد الطلاب الضعفاء استطاعوا الإجابة عليها وتساووا فيها مع الطلاب المتميزين، إذًا، فهذه الفقرات الشاذة التي أظهرها مقياس راش لابد أن تكون محل عناية الدارس بحثًا ونقاشًا واستشهادًا من دراسات أخرى لها علاقة بالمشكلات.

من ميزات هذا المقياس أيضًا أنه يربط بين كل فقرة وبين الطلاب الذين أجابوا عليها، وهنا يتجلى الدور الحقيقي للاستبيان أو استطلاع الرأي المصاحب للدراسة وما يفتحه من آفاق شاسعة للباحث للربط بين خلفيات أولئك الطلاب مثلاً وبين إجاباتهم، كل فئة على حدة.

وأذكر أن مفردتين باللغة الإنجليزية كانت محل شذوذ في إحدى الدراسات التي استخدمت مقياس راش، حيث كانت الأولى «attic»، وهي مفردة تحمل بعدًا ثقافيًا ولم يستطع الإجابة عليها إلا الطلاب الذين عاشوا فترة في البلاد الغربية وانغمسوا في ثقافتها وعرفوا أنها عبارة عن «غرفة علوية صغيرة» تحت الجزء المثلث من سقف المنزل الغربي، وعادة ما تكون مستودعًا أو مكانًا للدراسة، في المقابل، لم تكن مفردة أخرى «garage» عائقًا للفهم حتى عند العديد من الطلاب الضعفاء لأنها ببساطة مفردة تم تعريبها للغة العربية، وهي شائعة الاستعمال «كراج».

وبناءً على معطيات هذا المقياس، كان لزامًا على الباحث أن يضيف فصلين مستقلين في بحثه يتحدث فيهما عن تأثير البعد الثقافي للمفردات الإنجليزية والتعريب على مدى فهم الطلاب العرب للمفردات الإنجليزية وأن يطرح عدداً من التوصيات المهمة بهذا الخصوص.

ومن ميزات هذا المقياس أنه يمكن استخدامه لتحليل استطلاع الرأي مثلاً من زاوية معينة حتى لا يتشعب البحث ويطول، مع إمكانية الاستفادة منه لاحقًا في تحليل نفس استطلاع الرأي من زاوية أخرى أو حتى من عدة زوايا أخرى، ولكن هذه المرة بغرض النشر في المجلات العلمية المحكمة في عدة مقالات لبحوث الترقية بعد مرحلة الدكتوراه بإذن الله، والله تعالى أعلم.   

 

د. شافي سعد القحطاني

كلية اللغات والترجمة