Skip to main content

الإصلاح الإداري والطبيب الإكلينيكي

مروان أبوعمة
By: مروان أبوعمة
Published on: منذ 6 ساعة

تواجه الأنظمة الصحية في كثيرٍ من الدول ضغوطًا لتحسين الكفاءة التشغيلية وتقديم خدمةٍ صحية أكثر شمولية وذات جودة عالية في الوقت نفسه. أدى هذا الدمج بين الهدفين الإداري والسريري في بعض الأحيان إلى اتساع الفجوة بينهما. وفي الغالب يتم التغاضي عن الضرر الناتج عن قراراتٍ إدارية تعطي الأولوية لأهداف المنشأة على حساب مصلحة المريض من وجهة نظر الأطباء الإكلينيكيين. وقد تؤثر هذه القرارات على الرعاية المقدّمة للمريض وعلى معنويات القوى العاملة في المنشأة الصحية. كما يرى بعض الممارسين الصحيين أن معالجة مثل هذه المشكلة يتم بتعاون القادة الإداريون مع الفرق الطبية، ومحاولة فهم أسباب المسائل العالقة. وذلك بهدف تهيئة البيئة لرعايةٍ صحيةٍ جيدة للجميع، تشمل كل من المرضى ومقدمي الخدمة الصحية.ينشأ ضرر الإصلاح الإداري عندما تُعيق القرارات الصادرة من أعلى الهرم الإداري تقديم الرعاية أو مضايقة الفريق الطبي دون قصد. إذ يرى بعض الممارسين الصحيين أن الإدارة وفرق الرعاية الصحية تعمل في عالمين متوازيين قلّما يتقاطعان، وبذلك قد لا يتمتع بعض قادة المنشآت الصحية برؤيةٍ كاملة للتحديات والفجوات اليومية التي تواجه الأطباء والفريق الطبي. وفي حال وجود إدارة مكونة من طاقم طبي ترك العمل الإكلينيكي ليقوم بإدارة المنشأة، فربما يؤدي ذلك إلى المبالغة بنيةٍ حسنة في صنع قراراتٍ قد يتضجر منها المريض ويتضايق منها الكادر الصحي.

من أجل سد هذه الفجوة اقترح الدكتور والتر أودونيل، وهو طبيب باطني في مستشفى ماساتشوستس العام وأكاديمي بجامعة هارفرد وباحث في إدارة المستشفيات، بتجربة عمل المدير التنفيذي أو نائبه في العيادة المزدحمة أو في جناح العناية المركزة أو غرفة العمليات دون تعريف بطاقة العمل الرسمية. وذلك بهدف تجربة بيئة المنشأة بشكلٍ مباشر مما قد يتيح فهمًا أفضل للواقع الذي يواجهه الأطباء. ويرى د. أودونيل أن هذا النموذج من القيادة والذي ينخرط فيه صانعو القرار مباشرة في العمل اليومي يوفر فهمًا أعمق لأوجه القصور النظامية التي تؤثر على الممارسين الصحيين وملاحظة الضرر الإداري، غير المقصود، من خلال معايشة تأثيره المباشر على المرضى والأطباء. كما يقترح أن تعمل برامج التدريب المؤسسي على دمج هذه التجارب ضمن مناهجها وذلك لإعداد القادة لتوقع العواقب غير المقصودة والتخفيف منها مما يؤدي إلى إدارةٍ أكثر وعيًا وأفضل تأثيرًا.

وفي هذا السياق نشرت مجلة الجمعية الطبية الأمريكية للطب الباطني مؤخرًا بحث بعنوان "سياسة تجاوز السياسات" أو "The Policy to Override Policies-One Policy to Rule Them All". تمت الإشارة في هذا البحث إلى نهجٍ يمكّن الأطباء من اتخاذ قراراتٍ مؤقتة عندما تُعيق القواعد الإدارية الصارمة الصادرة حديثًا تقديم الرعاية الصحية الأمثل، مع تمكين فريق من الأطباء الإكلينيكيين وإداري المنشأة من مراجعة الحالات التي خُلِقت فيها هذه السياسات والقرارات. كما يدعو البحث إلى إدخال مراجعاتٍ منظمة ومتعددة التخصصات للسياسات المعتمدة بهدف الحد من التأخير في رعاية المرضى مع الحفاظ على الإشراف الإداري المطلوب في هذه المنشآت. وبالرغم من ذلك، أشارت دراسة أخرى في المجلة ذاتها إلى أن ٢٠٪ من الأطباء فقط يشعرون بالراحة وعدم التعرض لضغوطات عند التعبير عن مخاوفهم بشأن المسائل الإدارية. أي أنه من الضرورة تهيئة بيئةٍ تشجع على إبداء الرأي وإنشاء قناة للحوار المنتظم بين الإداريين والأطباء للوصول إلى تفاهمٍ متبادل وثقة بالمنشأة الصحية من المرضى والأطباء على حدٍ سواء.

لذلك يستحسن أن يتتبع القادة الإداريون نتائج سياساتهم وآثارها على سير العمل ومعنويات الموظفين وعلى رعاية المرضى. فقد تتجاوز عواقب ضرر الإصلاح الإداري المفترض مؤشرات الأداء التي تطمح الإدارة إلى صقلها وتلميعها لتؤثر على المجالين التشغيلي والإكلينيكي. فمن الناحية التشغيلية، يمكن أن تؤدي أوجه القصور الناجمة عن السياسات الإدارية إلى زيادة معدل دوران الأطباء وتغييرهم باستمرار مع صعوبة الاحتفاظ بذوي الخبرة وضعف الانتماء المؤسسي وانخفاض الروح المعنوية. أما إكلينيكيًا، فقد يضعف الضرر غير المقصود قدرة العاملين في الخطوط الأمامية على تقديم رعايةٍ مثالية للمرضى، وبالتالي قد يضاعف من الإرهاق والضرر المعنوي لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية.

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المنشآت الطبية في المملكة أمثلة مشرّفة ينخرط فيها الإداري والطبيب لتشكيل مستقبلٍ واعد للخدمة الصحية.  ويُفترض على جميع القادة تبنّي نهجًا أكثر تعاونًا وشفافية لمواجهة الآثار الجانبية للإصلاح الإداري. يتم ذلك بدمج أنفسهم في البيئة الإكلينيكية، والاستماع دون انتقائية إلى موظفي الخطوط الأمامية، ووضع أطر مشتركة لصنع القرار مما يساعد في سد الفجوة بين الإداريين والأطباء. كما يمنح الفرصة لقادة المنشآت لإحداث تغييرٍ هادف يوازن بين الكفاءة والرعاية المرتكزة على المريض من خلال دعم التعاون والمساءلة بين الأقسام المختلفة للمنشأة الطبية ويؤسس للعمل نحو مستقبلٍ واضح وفعال ضمن رؤية ٢٠٣٠ شاملة ملتزمة بالعمل الجماعي والشفافية.

أستاذ في كلية الطب – جامعة الملك سعود