Skip to main content

د. الحيدري: 9 مليارات ريال قروض لدعم مشاريع الثروة الحيوانية والسمكية


 

حوار / محمد العنزي 

يُعدّ الدكتور أحمد بن إبراهيم الحيدري أحد الأكاديميين البارزين في مجال علوم الإنتاج الحيواني في كلية علوم الأغذية والزراعة بجامعة الملك سعود، حيث يشغل منصب عضو هيئة تدريس في قسم الإنتاج الحيواني. عُرف الدكتور الحيدري بإسهاماته البحثية والاستشارية في تطوير قطاع الثروة الحيوانية والسمكية في المملكة العربية السعودية، ومشاركته في إعداد الدراسات والبرامج الهادفة إلى تحقيق الأمن الغذائي الوطني وتعزيز الاستدامة البيئية.

ومن خلال هذا الحوار، يسلّط الدكتور الحيدري الضوء على واقع هذا القطاع الحيوي الذي يُعدّ ركيزة أساسية في رؤية المملكة 2030، متحدثًا عن التحديات الحالية، ودور التقنيات الحديثة، والسياسات الحكومية، وأهمية التعاون بين الجامعات والمربين لتحقيق مستقبل أكثر استدامة للثروة الحيوانية والسمكية في المملكة.

 

التغير المناخي وتأثيره على الإنتاج الحيواني

كيف يؤثر التغير المناخي على إنتاج الثروة الحيوانية والسمكية، وما سبل التكيف معه؟
يمثل التغير المناخي أحد أكبر التحديات التي تواجه التنمية المستدامة عالميًا، خصوصًا في المناطق ذات الموارد المائية المحدودة مثل المملكة. فقد أدى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات الجفاف إلى تقلص المراعي الطبيعية وارتفاع تكاليف الأعلاف، مما انعكس سلبًا على إنتاجية الحيوانات وزاد من احتمالية إصابتها بالأمراض. وللتقليل من هذه الآثار، يجب التحول من نظم التربية التقليدية إلى النظم الحديثة المكثفة التي توفر بيئة مثالية للحيوانات من خلال التحكم في الحرارة والرطوبة، واستخدام التقنيات الحيوية لاختيار السلالات القادرة على مقاومة الظروف القاسية. كما أن تنويع مصادر الأعلاف واستخدام البدائل الصديقة للبيئة مثل الطحالب والنباتات المائية وإعادة تدوير المنتجات الثانوية الزراعية يسهم في استدامة الموارد وتقليل التكاليف.

التحديات التي تواجه المربين

ما أبرز العقبات التي تواجه المربين في زيادة الإنتاجية؟
من أبرز التحديات ضعف الممارسات الحديثة لدى بعض المربين، وارتفاع تكاليف الأعلاف، وانتشار الأمراض البيطرية، إضافة إلى المنافسة الكبيرة من المنتجات المستوردة. كما يواجه صغار المنتجين صعوبة في التسويق والحصول على الدعم الفني والمالي، وهو ما يتطلب تفعيل دور الجمعيات التعاونية وتطوير سلاسل الإمداد لتحقيق استدامة حقيقية.

التقنية الحديثة ودورها في تطوير القطاع

إلى أي مدى تسهم التكنولوجيا الحديثة في تطوير قطاع الثروة الحيوانية والسمكية؟
التقنيات الحديثة تمثل نقلة نوعية في هذا القطاع. فعلى سبيل المثال، ساعد الذكاء الاصطناعي على جمع وتحليل بيانات المزارع بشكل لحظي، مما يسهّل اتخاذ القرار السريع عند حدوث أي خلل. كما تسهم المعالف الذكية، والروبوتات الآلية، وتقنيات النانو والإنزيمات في صناعة الأعلاف في رفع الكفاءة الإنتاجية وتقليل الفاقد. هذه الابتكارات تجعل القطاع أكثر استدامة، وتقلل من التأثيرات البيئية السلبية.

السياسات الحكومية ودعم التنمية

ما الدور الذي تلعبه السياسات الحكومية في دعم الثروة الحيوانية والسمكية؟
منذ تأسيس المملكة، حظي هذا القطاع بدعم سخي من الدولة. فقد بلغت قروض صندوق التنمية الزراعية لمشاريع الثروة الحيوانية والسمكية بين عامي 2016 و2024 أكثر من 9 مليارات ريال. كما أُطلقت برامج عديدة مثل برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة (ريف) لدعم صغار المربين، والشركة الوطنية للخدمات الزراعية، والمركز الوطني للوقاية من الآفات والأمراض الحيوانية. هذه المبادرات تعكس حرص القيادة على تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الإنتاج المحلي.

التعاون بين الجامعات والمربين

كيف يمكن تعزيز التعاون بين الجامعات والمزارعين لتطوير حلول مبتكرة؟
تلعب الجامعات دورًا محوريًا في نقل المعرفة وتطبيق الأبحاث على أرض الواقع. في كلية علوم الأغذية والزراعة، تم إنشاء مركز الإرشاد الزراعي ليكون حلقة وصل بين الأكاديميين والمربين، وتقديم الاستشارات والدورات التدريبية. كما يعمل قسم الإنتاج الحيواني على أبحاث متقدمة تشمل تحسين السلالات المحلية، وتطوير الأعلاف المقاومة للملوحة، وتصميم لقاحات للأمراض الحيوانية المنتشرة في المملكة.

التنوع البيولوجي وأثره في الاستدامة

ما أهمية التنوع البيولوجي في تعزيز استدامة الإنتاج الحيواني؟
تتميز المملكة بتنوع كبير في السلالات المحلية من الإبل والأغنام والدواجن، وهي سلالات تمتلك صفات وراثية فريدة كتحمل الحرارة ومقاومة الأمراض. الحفاظ على هذا التنوع عبر إنشاء بنوك وراثية وطنية وتطبيق برامج التحسين الوراثي يمثل خطوة أساسية نحو تعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على السلالات المستوردة.

مكافحة الفاقد والهدر الغذائي

كيف يمكن تقليل الفاقد في سلاسل الإمداد؟
الفقد والهدر في الأغذية قضية عالمية، وقدرت نسبته في المملكة بأكثر من 33% من إجمالي الغذاء المنتج سنويًا. تعمل الدولة حاليًا على خفض هذه النسبة إلى النصف بحلول عام 2030 من خلال برامج توعوية، وتشجيع إعادة تدوير الغذاء، واستخدام تقنيات حديثة في النقل والتخزين للحفاظ على جودة المنتجات الحيوانية والسمكية.

مستقبل المنتجات العضوية

ما رؤيتكم لمستقبل الثروة الحيوانية العضوية في المملكة؟
الاهتمام بالمنتجات العضوية يتزايد مع ارتفاع الوعي الصحي للمستهلكين. وقد أنشأت الدولة إدارات وجمعيات متخصصة لتنظيم الإنتاج العضوي وتقديم القروض والدعم للمزارعين. وقد شهدت السنوات الأخيرة نموًا في مشاريع الألبان واللحوم العضوية بما يواكب الطلب المحلي والإقليمي.

الصحة الواحدة ومخاطر الأمراض الحيوانية

كيف يمكن مواجهة المخاطر الصحية المرتبطة بالأمراض الحيوانية؟
تعتمد المواجهة الفعالة على تطبيق مفهوم الصحة الواحدة الذي يربط بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة. ويُعدّ التحصين الدوري، وتطبيق معايير الأمن الحيوي، والرقابة البيطرية المستمرة، من أهم وسائل الوقاية. فالمكافحة المبكرة تقلل من استخدام المضادات الحيوية وتحدّ من الخسائر الاقتصادية.

نحو الاكتفاء الذاتي

إلى أين وصل مستوى الاكتفاء الذاتي في المملكة من المنتجات الحيوانية والسمكية؟
حققت المملكة تقدمًا كبيرًا في الاكتفاء الذاتي من العديد من المنتجات، إذ بلغت النسبة في منتجات الألبان 129%، الروبيان 147%، وبيض المائدة 100%، بينما بلغت في الدواجن 71%، والأسماك 48%. هذه المؤشرات تعكس نجاح السياسات الوطنية، والطموح اليوم يتجه نحو التصدير الإقليمي والعالمي.ختاما  أن مستقبل الثروة الحيوانية والسمكية في المملكة واعد، شريطة استمرار الاستثمار في البحث العلمي والتقنيات الحديثة، وتكامل الجهود بين القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق استدامة حقيقية، وضمان الأمن الغذائي للأجيال القادمة.