Skip to main content

د. نايف الحربي: الذكاء الاصطناعي والنانو يقودان الجيل الجديد من مضادات الحياة

حوار / محمد العنزي 

يُعدّ الدكتور نايف بن سلطان الحربي، أستاذ البكتيريا الطبية وعضو هيئة التدريس في قسم النبات والأحياء الدقيقة بكلية العلوم – جامعة الملك سعود، من أبرز الباحثين في مجال مقاومة المضادات الحيوية. في هذا الحوار، يتحدث عن أخطر أنواع البكتيريا الممرضة، وأسباب تفاقم مقاومتها، ودور الأبحاث السعودية والتقنيات الحديثة في مواجهتها، إلى جانب رؤيته لمستقبل برامج مكافحة العدوى ورفع الوعي المجتمعي بخطورة الاستخدام غير المنضبط للمضادات الحيوية.

• ما أبرز أنواع البكتيريا الممرضة التي تشكّل حاليًا تهديدًا متزايدًا على الصحة العامة في المملكة والعالم؟
تحوّلت مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية من تهديد محتمل إلى تحدٍّ خطير للطب الحديث، يقوّض فعالية العلاجات التقليدية. وتشير أحدث تصنيفات منظمة الصحة العالمية لعام 2024 إلى 24 نوعًا من البكتيريا المقاومة موزعة على ثلاث فئات. فئة الأولوية الحرجة تضم أنواعًا مثل الراكدة البومانية والإشريكية القولونية والكليبسيلا الرئوية والمتفطرة السلية المقاومة لأقوى المضادات. أما الأولوية المرتفعة فتشمل الزائفة الزنجارية والسالمونيلا التيفية والمكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين وغيرها. في حين تندرج العقدية الرئوية والمستدمية النزلية ضمن الأولوية المتوسطة. خطورة هذه الأنواع تكمن في آلياتها المتطورة للتكيّف، كإنتاج الإنزيمات المحللة للأدوية وتكوين الأغشية الحيوية والتبادل الوراثي السريع، مما يجعل إدارتها السريرية أكثر تعقيدًا. وهذا الواقع يؤكد الحاجة الملحة لتطوير مضادات جديدة وتعزيز نظم الوقاية والمراقبة الوبائية.

• ما الأسباب الرئيسة وراء تفاقم ظاهرة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية؟
تتعدد الأسباب، أبرزها الإفراط في استخدام المضادات الحيوية سواء للإنسان أو الحيوان دون إشراف طبي، وسوء الممارسات الطبية كتحديد جرعات غير دقيقة أو التوقف المبكر عن العلاج. كما يساهم استخدام المضادات واسعة الطيف بدلًا من النوعية في تسريع ظهور المقاومة. إضافة إلى ذلك، يُعدّ الاستخدام الزراعي للمضادات في أعلاف الحيوانات عاملاً مؤثرًا، إذ تنتقل البكتيريا المقاومة إلى الإنسان عبر الغذاء. كما يسهم نقص التشخيص الدقيق، وضعف الالتزام بإجراءات الوقاية والنظافة، والطفرات الجينية السريعة، في تفاقم المشكلة عالميًا.

• إلى أي مدى ساهمت الأبحاث المحلية في جامعة الملك سعود في مواجهة البكتيريا المقاومة للمضادات؟
أسهمت الجامعة في تنفيذ مشروعات بحثية رائدة طوّرت حلولًا جديدة، منها إنتاج مضادات حيوية باستخدام الجزيئات النانوية ونواتج فطريات بحرية، وتجارب ناجحة على مستخلصات نباتية ذات فعالية عند دمجها مع المضادات التقليدية. كما جرى تطوير علاجات تعتمد على الفيروسات البكتيرية (الفاجات) واستهداف الأغشية الحيوية، إلى جانب مركّبات كيميائية تثبّط آليات المقاومة مثل “استشعار النصاب”. تحظى هذه الجهود بدعم عمادة البحث العلمي ومعهد ريادة الأعمال، ما يعكس التزام الجامعة بدعم الأمن الصحي الوطني عبر البحث والتطوير.

• ما الدور الذي يمكن أن تلعبه التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي أو التحليل الجيني في تشخيص العدوى وعلاجها؟
الذكاء الاصطناعي أصبح أداة حيوية لتسريع التشخيص عبر تحليل الصور المجهرية والبيانات الجينية لتحديد نوع البكتيريا بدقة والتنبؤ بمقاومتها للمضادات. كما يتيح تحليل البيانات السريرية التنبؤ بانتشار العدوى ووضع استراتيجيات وقائية مبكرة. أما التحليل الجيني فيكشف الطفرات والإنزيمات المسؤولة عن المقاومة، ويساعد في تعديل خطط العلاج بسرعة ودقة. كما يساهم في تطوير جيل جديد من المضادات الحيوية واختبارات التشخيص السريع.

• هل برامج مكافحة العدوى في المستشفيات السعودية كافية لمواجهة انتشار البكتيريا المقاومة؟
البرامج الوطنية لمكافحة العدوى في المملكة متطورة وتعتمد على معايير حديثة (ICA 2025)، تشمل تدريب الكوادر وتطبيق سياسات صارمة للوقاية والتعقيم. كما تُعقد اجتماعات دورية لمتابعة الأداء وتحسين الإجراءات الوقائية. لكن من الضروري تعزيز قدرات المراقبة الوبائية وتوظيف الذكاء الاصطناعي في التشخيص، إضافة إلى الاستثمار في تطوير المختبرات لتسريع كشف البكتيريا المقاومة.

• كيف يمكن الاستفادة من “البكتيريا النافعة” طبيًا؟
للبكتيريا النافعة (البروبيوتيك) دور مهم في دعم المناعة والحفاظ على توازن الجهاز الهضمي، كما تساهم في مقاومة البكتيريا الضارة مثل الإشريكية القولونية والسالمونيلا والهيليكوباكتر بيلوري. تُستخدم بعض أنواعها كمكملات علاجية لتقليل التهابات المعدة وتعزيز مقاومة الجسم الطبيعية، مما يفتح آفاقًا لعلاجات داعمة آمنة وفعالة.

• ما رأيك في الاستخدام المتزايد للمضادات الحيوية في تربية الحيوانات؟
الإفراط في استخدامها يمثل خطرًا مباشرًا على الإنسان، إذ تنتقل البكتيريا المقاومة عبر الغذاء أو البيئة. لذا يجب تقنين هذا الاستخدام، وتعزيز بدائل آمنة كالبروبيوتيك وتحسين ممارسات التربية الصحية. توازن الاستراتيجيات بين الإنتاج الغذائي والصحة العامة أصبح مطلبًا عالميًا لتقليل انتقال العدوى المقاومة من الحيوانات إلى البشر.

• ما مدى إمكانية استخدام تقنيات النانو في مكافحة البكتيريا الممرضة؟
تقنيات النانو تمتلك إمكانات واعدة، فالجسيمات النانوية كالفضة والزنك قادرة على تدمير جدران الخلايا البكتيرية وتعطيل الأغشية الحيوية المقاومة، مما يزيد من فعالية العلاج. كما يمكن تصميم “حوامل ذكية” تنقل الدواء مباشرة إلى موضع العدوى، فتقلل الجرعة المطلوبة والآثار الجانبية.

• كيف تقيّم التعاون الدولي في مجال البكتيريا الطبية؟
التعاون الدولي يشهد تطورًا ملحوظًا، خاصة بعد استضافة المملكة المؤتمر الوزاري العالمي حول مقاومة مضادات الميكروبات في جدة 2024، وانضمامها إلى البرنامج العالمي لرصد مقاومة المضادات (Glass-AMC). كما أُنشئ “مركز التعلم لمقاومة مضادات الميكروبات” ليكون منصة تدريبية إقليمية تعزز نهج “الصحة الواحدة”. تشارك جامعة الملك سعود بفعالية في شراكات بحثية دولية لتطوير التقنيات التشخيصية والمضادات الحيوية الجديدة.

• ما الخطوات الضرورية لرفع وعي المجتمع بخطورة الاستخدام غير المنضبط للمضادات؟
الوعي أساس الحل، ويتطلب تنفيذ حملات إعلامية وتثقيفية مستمرة تشرح مخاطر الاستخدام العشوائي. كما يجب تعزيز دور الصيادلة في توعية الجمهور، وتشجيع التشخيص الدقيق قبل صرف أي مضاد، إلى جانب إدراج التثقيف الدوائي في المدارس والجامعات. هذه الجهود المتكاملة كفيلة بإرساء ثقافة مسؤولة تحافظ على فعالية المضادات للأجيال القادمة.

• تشير تقارير عالمية إلى ارتفاع العدوى المقاومة للمضادات، هل هناك بيانات حديثة توضّح حجم المشكلة؟
وفق تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في أكتوبر 2025، ارتفعت نسب الميكروبات المقاومة بنسبة تجاوزت 40٪ خلال خمس سنوات، بمعدل زيادة سنوية بين 5 و15٪. هذه الأرقام تعكس تهديدًا حقيقيًا للصحة العالمية، ما يستدعي استخدامًا مسؤولًا للمضادات الحيوية ودعم جهود الابتكار لتطوير أدوية وتشخيصات جديدة تحفظ التقدم الطبي والإنساني.