العلاج بالخلايا الجذعية.. الواقع والمأمول

 

يعد استخدام الخلايا الجذعية في العلاج من الاكتشافات الطبية الفريدة كمحاولة لإيجاد علاج  قاطع للأمراض العضال مثل للسرطان والسكري والشلل الرعاش والزهايمر وأمراض المناعة وغيرها  من الأمراض.  والخلايا الجذعية أو «الخلايا الأم «أو «خلايا المنشأ» خلايا غير متنوعة أي «غير مخلقة»، ولكن تحت تأثير عوامل نمو معينة يمكنها التنوع والتمايز إلى خلايا مختلفة «مخلقة»، قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ». وتستطيع  الخلايا الجذعية التكاثر والتمايز  تحت ظروف معينة داخل الجسم أو خارجه، والخلايا الجذعية أنواع منها الجنينية التي تتميز بالقدرة المطلقة على التخصص إلى جميع أنواع الخلايا الأخرى، والخلايا الجذعية البالغة  القادرة على التمايز إلى أنواع  معينة من الخلايا. وتمتاز الخلايا الجذعية الجنينية بقدرتها المطلقة على إنتاج كل أنواع الخلايا والأنسجة والأعضا ، بينما الخلايا الجذعية البالغة لها القدرة على تكوين أنواع متخصصة من الخلايا. ويمكن الحصول على الخلايا الجذعية من  الأجنة أو الحبل السري أو نخاع العظم. الخلايا الجذعية البالغة توجد في الأنسجة احتياطيًا لإمداد الجسم بالخلايا عن الحاجة إليها، أي تعمل «كصيدلية بيولوجية احتياطية»، حيث يستطيع جسم الإنسان تجديد الخلايا وتعويض الفاقد منها، وعند التئام الجروح، وبعد الموت المبرمج عن طريق الخلايا الجذعية البالغة.

 وتستخدم الخلايا الجذعية منذ عشرات السنين في علاج سرطان الدم والغدد اللمفاوية وضمور نخاع العظم وبعض أمراض الدم الوراثية وغيرها من الأمراض. وحديثاً زاد الاهتمام بدراسة هذه الخلايا، حيث استطاع العلماء معالجة الخلايا الجذعية بعوامل النمو  لإنتاج خلايا الدم والبنكرياس وغيرها من الخلايا المتخصصة، ويُعول على الخلايا الجذعية في الشفاء من السرطان  السكري والزهايمر والفشل الكلوي والكبدي وغيرها من الأمراض. وتقنية علاج الخلايا الجذعية في تطور مستمر وبعضها أصبح واقعاً وثبت نجاحه في علاج سرطان الدم، وذلك بحقن خلايا جذعية سليمة بديلاً عن الخلايا التي دمرها العلاج الكيماوي. كما استطاع العلماء إنتاج أجزاء من الجلد باستخدام الخلايا الجذعية لعلاج الحروق. كما يعد إنتاج خلايا البنكرياس من الخلايا الجذعية فتح كبير في طب السكري إلا أنه ما زال تحت البحث، كما نجح استخدام الخلايا الجذعية لعلاج عطب عضلات القلب بعد الذبحة الصدرية، لكنه بشكل محدود. وفي مجال تقنية الأنسجة والأعضاء تستخدم الخلايا الجذعية في إنتاج خلايا وأنسجة الجسم لعلاج الاتهابات المناعية المزمنة وأمراض العظام وأمراض الجهاز البولي وبعض الأمراض الوراثية وغيرها. كما يراود العلماء حلم تصنيع الأعضاء البشرية مثل «الكبد والقلب والرئة والكلى والبنكرياس وغيرها»، بتقنية الخلايا الجذعية لاستخدامها في زراعة الأعضاء لحل إشكالية التبرع بالأعضاء.

  ويجب الأخذ في الاعتبار أن العلاج بالخلايا الجذعية ما زال  محدوداً وليس سحريًا أو قاطعاً، إلا أنه يتوقع أن يحل مشاكل الكثير من الأمراض عن قريب. ويجب التنويه إلى وجود مراكز في بعض البلدان تبالغ في  الترويج لهذا النوع من العلاج لغاية ربحية فقط ويستغلون حاجة المرضى، لذا يجب الحذر والحيطة ودراسة جدوى هذا العلاج قبل الإقدام عليه.

 وأخيرًا، إن الاعتدال والتوزان بين متطلبات الجسم البدنية والروحية والتأمل والتدبر والرضا والتقوى  والابتسام وعدم التعرض للضغوط والملوثات وتناول الغذاء الصحي وممارسة الرياضة يزيد من كفاءة «الصيدلية البيولوجية الاحتياطية» مما يساعد خلايا الجسم على التجدد والوقاية والشفاء من الأمراض بإذن الله.

أ. د. جمال الدين إبراهيم هريسه

كلية الصيدلة 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA