ضوابط تعريب الألفاظ والمصطلحات

تتجلى عظمة اللغة العربية وسموها ورفعتها أنها في المقام الأول اللغة الوحيدة التي اجتباها وخصها وشرّفها رب العزة والجلال بأن تكون لغة القرآن الكريم، وذلك يتبدى في آيات كريمة وردت في عدد من السور، منها قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون﴾ «يوسف: 2» وقوله عز من قائل: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ «طه: 113»، وقوله جل وعلا: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِين * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ «الشعراء: 193- 195»، وقوله أصدق القائلين: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُون﴾ «فصلت: 3».

ولقد تمكنت اللغة العربية منذ الأزل من أخذ مكانتها اللائقة بين اللغات العالمية الحية في مجالات العلوم والتقنيات الحديثة، بجانب مكانتها السامية التي أحرزتها وتبوأتها عبر تاريخها الطويل في مجالات العلوم الدينية والشرعية، ناهيك عمّا وصلت إليه في ميادين الشعر والأدب والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والفلك والطب والكيمياء والصيدلة.

كما أفادت اللغة العربية من الترجمة والتعريب مما زادها توسعاً وانتشاراً وعالمية وثراء، حيث إن اللغة العربية لغة مرنة وطيعة تقبل الألفاظ الأجنبية والمصطلحات التقنية، وذلك لسهولة النحت فيها والتصريف والاشتقاق والقياس، ومع ذلك فلا يتم القيام بعملية التعريب إلا عند الحاجة والضرورة.

ويستحسن عند تعريب الألفاظ والمصطلحات الأجنبية أن يراعى ما يلي:

- يفضل التغيير في شكل المصطلح حتى يصبح موافقًا للصيغة العربية ومضاهيًا لها، فمثلاً عندما ترجمت كلمة «تلفزيون» إلى العربية وأصبحت «الرائي» لم تجد هذه الكلمة قبولاً مستساغًا، فكان لا بد من تعريب الكلمة الأجنبية مع بعض التغيير الذي يضاهي العربية فأصبح لدينا كلمة «تلفاز» وإن كانت غير مستخدمة على نطاق واسع. كما نجحنا في تعريب «تلفون» ليصبح «الهاتف» وإن كانت الأولى لا تزال مستخدمة كلفظها الأصلي، وكذلك «كمبيوتر» إلى «حاسب آلي» أو «حاسوب»، وكذلك «راديو» إلى «مذياع»، وعند تعريب المصطلح العلمي يمكن كتابته باللغة العربية بصيغة أو بناء يوافقه مع المحافظة على معناه ولفظه قدر المستطاع، فمثلاً كلمة «تلفزيجن» عربت «تلفاز»، وكلمة «فيزيكس» عربت «فيزياء»، وكذلك «تكنولوجي» أصبحت «تقنية»، و«ماستر» صارت «ماجستير»، و«كوليج»: «كلية»، و«بتروليوم»: «بترول»، و«موتور» نلفظها «ماطور» والأصح «محرك».. وهكذا.

- يجب اعتبار المصطلح المعرب عربيًا بحيث يخضع لقواعد اللغة ويجوز فيه الاشتقاق والنحت والتصريف، وتستخدم فيه أدوات البدء والإلحاق مع مواءمته للصيغة العربية، ومن أمثلة ذلك: «دكتور» يمكن جمعها جمع تكسير فتصبح «دكاترة»، و«بروتون» يمكن جمعها جمع مؤنث سالم فتصبح «بروتونات»، و«أكسيد» يمكن جمعها جمع تكسير فتصبح «أكاسيد» ويمكن اشتقاق فعل منها فتصبح «يتأكسد»،و«إلكترون» يمكن إلحاقها بـ«أل التعريف» فتصبح «الإلكترون».

- يحب تصويب الكلمات العربية التي حرفتها اللغات الأجنبية واستعمالها باعتماد أصلها الفصيح، فمثلاً كلمة «syrup» أصلها العربي «شراب»، وكلمة «alcohol» أصلها العربي «الكحول»، وكلمة «gas» أصلها العربي «غاز»، وكلمة «arsenic» أصلها العربي «الزرنيخ».

- ثمة كلمات أجنبية دخيلة وما أكثرها، اخترقت لغتنا العربية عنوة أو أقحمت دونما استئذان، فاستباحت ساحتها وفرضت نفسها عليها واحتلت مكانًا بين مفرداتها، ويُعدُّ هذا أحد عيوبنا في السماح لها بل والترحيب بها ومن ثم استخدامها طوعا دونما وعي أن في العربية معاني ومترادفات تحل محلها وتغني عنها، فخذ على سبيل المثال «لوجستي: عتاد، إثني: عرقي، برستيج: فخامة، كاريزما: جاذبية، ماراثون: سباق، كود: نظام، لوبي: تأثير، كلاسيكي: تقليدي، رومانسي: عاطفي، دراما: مشكلات نفسية وعاطفية، كوميديا: مرح، تراجيديا: مأساة، كنترول: تحكم، تكنولوجيا: تقنية». كما أن لكل مفردة عربية مترادفات متعددة، وثمة كلمات أخرى مستجدة لا مندوحة من إيجاد تعريبات لها مثل: «مول وجاليري وبلازا» إلخ.

أ.د. عبدالله بن محمد الشعلان

جامعة الملك سعود

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA