أمي وحبّات القهوة

قبل خمس عشرة سنة ربما، حين كان طولي بالكاد يحاذي سطح الفرن، كنت أتطاول لأرى بُن القهوة المحمص في مراحله الأخيرة وقد بدأ في التشقّر، إلا أن لون الحبّات المتفاوت بعض الشيء كان يؤرقني، الغامق والأغمق والفاتح والأفتح، وأشكو لأمي مصيرها الذي صارت إليه فأقول شيئًا يشبه أن أقول: كيف لنا بقهوة مُنظّمة بعد كل هذه الفوضى!

وتردّ أمي في حلمها، من غير أن ترفع عينها عن شغلها، وتقول: «هذا غامق وهذا فاتح، ينطحنون سوا ويصلحون مع بعض»، ثم وبمبدأ أمي هذا؛ نحتسي قهوة هي قطعة من نعيم، مشروب متّسق فاخر.

أمي سيدة من سيدات القهوة اللاتي لا يزهدن في خطوة من خطوات إعدادها فلا يكلنها إلى أحد، تنظّف البُن، تحمصه بيدها غير آبهة بالآلات البديلة، تطحنها تحفظها تطبخها تدللها، تفعل كل ذلك باهتمام، وبحبٍ أيضًا!، واليوم، وبعد عدد من السنوات المذكور آنفًا؛ أنظر إلى حبات القهوة الملونة، وأسترجع ما كانت تقول أمي..

ويُذكّرني التفاوت اللوني الذي كان يؤرقني؛ بنفسي التي تتفاوت في مهاراتها، في اطلاعها، في خبرتها ومعرفتها؛ حيث أجدني صغيرة في موطن، وممارسة جيدة في آخر، وخبيرة جدًّا في الثالث.

لا نبعد أن نكون في مجالات الحياة بدرجات حبات القهوة وتلوّنها، بحلاوتنا مرة ومرارتنا أخرى، بمعرفتنا في شيء وجهلنا في آخرٍ، بقوتنا في جانب وضعفنا في غيره، ثم بمُحصّلة شاملة؛ يتكوّن منا مشروبٌ خاص، تشكّل من كل ما احتوينا.

مشروبك الخاص وطعمك الفريد الذي تحبه وتُحَبّ به، ترعاه وتحفظه، تعلمه وتصحح له، تفعل كل ذلك بحُبّ، وباهتمام أيضًا! وبقدر ما نحافظ على نضج حباتنا إلى الحد المعقول، ونُكمّل ذواتنا ونستكمل فضائلنا؛ يحافظ ذلك المشروب على توازنه واتزانه، وتزداد فخامته، وتطيب به الصباحات والأماسيّ.

روان بنت سعد السويلم

كلية الصيدلة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA