مؤتمر «التنمية الإدارية» بعيون معاصرة

تشرف معهد الإدارة العامة وبرعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– بتنظيم فعاليات مؤتمر «التنمية الإدارية في ظل التحديات الإدارية» مؤخراً، وهدف هذا المؤتمر إلى تسليط الضوء على دور التنمية الإدارية وأهميتها في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة من خلال الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية والبشرية المتاحة.

وتناول المؤتمر خمسة محاور أساسية، الأول الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتم خلاله التأكيد على أن التغيير أحد أكثر القضايا الإدارية المعاصرة أهمية وأهم المرتكزات التي تضمن استمرارية أي منظمة في ظل عالم متغير وتقلبات اقتصادية وسياسية واجتماعية، والحاجة إلى منظمات مبدعة وقادة ذوي أفق واسع وتفكير مستقبلي لم يعد مطلب رفاهية بل أصبح ضرورة حتمية مرتبطة بوجود المنظمة، كذلك التنافس العالمي يعد هدفاً استراتيجيا.

وشدد على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص باعتبارها أحد الحلول لتطوير الهياكل التنظيمية والاقتصادية والارتقاء بمستويات الكفاءة والأداء، كذلك تأتي الشراكة بين القطاعين نتيجة تضاؤل قدرة الحكومات على التوسع في الاستثمار ومواكبة التكنولوجيا ومجاراة القطاع الخاص في العملية الإنتاجية، كذلك تهدف الشراكة إلى توحيد الجهود والاستفادة القصوى من مميزات كل من القطاعين لخلق بيئة تنافسية مرنة وداعمة لكفاءة الأداء وزيادة الإنتاج. 

وتناول المؤتمر خلال يومه الثاني هذا المحور من خلال محاضرة قيمة ألقاها الدكتور «روبرت بيتشل» خبير الحوكمة في البنك الدولي، وكذلك جلسة تناولت التكامل بين القطاعين استعرضت عددًا من الأوراق البحثية القيمة التي تناولت دور الشراكة بين القطاعين وكيفية التخطيط الاستراتيجي لها وسبل تفعيلها ودورها في التنمية الإدارية، كذلك أديرت حلقة نقاش قيمة تناولت آراء وتجارب عدد من الجهات المختلفة ونظرتهم لمستقبل الشراكة.

المحور الثاني تناول الموارد البشرية، وتم خلاله الإشارة إلى أنها شهدت تطورًا كبيرًا في ظل الفكر الإداري الحديث حيث نقل مفهوم إدارة الموارد البشرية الى الاهتمام بالطاقات البشرية في المنظمة وتطويرها عبر البرامج التدريبية والتأهيلية وتحسين جودة الكوادر وزيادة فاعليتها وإنتاجها.

وتمت الإشارة إلى أن أبرز التغييرات التي شهدتها الموارد البشرية هي تبنيها لمفهوم وتقنيات إدارة الجودة الشاملة والاستفادة من تقنية الاتصالات الحديثة لربط فرق العمل في مختلف الإدارات، وأصبح ينظر الآن للموارد البشرية كأصل من أصول المنظمة الذي يجب حمايته والاستثمار فيه والمحافظة عليه والذي ينعكس إيجابياً من خلال زيادة الفاعلية والإنتاج. 

وتناول المؤتمر في يومه الثاني هذا المحور من خلال جلسة تجارب دولية قدمها كل من الدكتور روبرت تايلور «التجربة الكندية» والأستاذ بيير تينارد «التجربة الفرنسية»، كما تم استعراض عدد من الأوراق البحثية المتميزة في إدارة وتنمية الموارد البشرية تناولت دور القيادات وأنظمة ولوائح العمل ودور المؤسسات التدريبية والاتجاهات الحديثة وتطبيقاتها في الموارد البشرية.

وحمل المحور الثالث عنوان «الحوكمة في القطاع العام» وتم خلاله التأكيد على أن الأخذ بمبادئ الحوكمة من قبل الحكومات يعد مطلباً شعبياً ودولياً قبل أن يكون مطلبًا تنظيمياً، وتدعم المنظمات الدولية تبني الحكومات لمبادئ الحوكمة في القطاع العام بصفته أداة لتحقيق التنمية والسيطرة على الفساد، ويعتبر تقييم أداء القطاع العام ومستوى مشاركة المستفيدين من الخدمة العامة في صنع القرارات أكثر القضايا الإدارية إلحاحاً وأكثر الموضوعات طرحاً ونقاشاً بين السياسيين والباحثين في مختلف المجالات، وتعتبر الحوكمة أداة أساسية ومهمة نحو تحقيق الأهداف التنموية وتعزيز جودة العمل الحكومي وتقليل الهدر المالي وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة.

حظي هذا المحور بمحاضرة قيمة قدمها الدكتور «ديفيد تييس» أستاذ الإدارة بجامعة كاليفورنيا، تلتها حلقة نقاش بناءة عن تبني مبادئ الحوكمة في القطاع العام ودورها في تحقيق رؤية المملكة 2030 شارك فيها عدد من الباحثين المتميزين في هذا المجال ناقشوا فيها متطلبات تطبيق الحوكمة والتحديات والاستفادة من تجارب القطاع الخاص. 

وفي المحور الرابع تمت مناقشة الاقتصاد المعرفي باعتبار المعرفة أحد أكثر الأصول قيمة بالنسبة للمنظمة وأصبحت إدارتها وتطويرها إلى مورد اقتصادي يعد من الضروريات الملحة في التطوير الإداري والاستراتيجي، وتم التأكيد على أن الاقتصاد المعرفي يعتمد على الفكر البشري والتقنية الحديثة وعالمية شبكة الإنترنت، وقد شهد مجال الاقتصاد المعرفي تطوراً كبيراً ونجاحاً باهراً خاصة في دول ليس لها موارد طبيعية.

وقد تجاوزت تقنية المعلومات مرحلة الإنتاج والتنظيم إلى المساعدة في اتخاذ القرارات بكفاءة وفعالية، وأطلق عليه عدة مسميات مثل اقتصاد المعلومات أو الاقتصاد التقني، ويتطلب الاقتصاد المعرفي بيئة فاعلة لتنمية الاستثمار في البيئة التقنية وفي العقول المعرفية لتحقيق أدوار وآفاق أوسع في هذا النوع الجديد من الاقتصاد مما ينعكس على تنمية معارف الكوادر البشرية وتنوع مصادر الدخل وتنمية البيئة الاستثمارية. 

قدم في اليوم الأول من المؤتمر جلسة نقاش قيمة بعنوان «الاقتصاد المعرفي ودوره في التنمية الإدارية» قدم فيها عدد من الباحثين المتميزين أوراقاً بحثية تناولت إدارة المعرفة ودور تقنية المعلومات في دعم الاقتصاد المعرفي والاتجاهات الحديثة فيه. 

المحور الخامس استعرض أبرز التجارب والممارسات الدولية المتميزة في التنمية الإدارية، وتم في اليوم الأول استعراض تجارب دولية متميزة في الحوكمة والاقتصاد المعرفي من «البنك الدولي وماليزيا وتايلاند»، وفي اليوم الثاني تجارب دولية متميزة في التنمية البشرية من «فرنسا وكندا» قدمها نخبة من أميز القيادات الإدارية والسياسية في تلك البلدان.

وفي الختام لا يسعني إلا القول إن التنمية الشاملة في المجتمعات تعتمد بشكل كبير على تطوير النظم الإدارية لتصبح تلك المجتمعات وقياداتها قادرة على مواجهة تيار التغييرات ومواكبة تطلعات مواطنيها وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة ويتطلب ذلك جهودا جبارة من أجل تطوير وإصلاح القطاعين العام والخاص والاستفادة القصوى من التقدم العلمي الهائل والاتجاهات الإدارية، وإن التحول والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يمر بمرحلتين جوهريتين الأولى تحديد الرؤية ووضع التصورات والاستراتيجيات، والثانية تحويل تلك الرؤية إلى برامج تنفيذية وفق مراحل وخطوات تنفيذية يكون لها أثر ملموس على أرض الواقع، وتستطيع المملكة من خلال برنامج التحول الوطني 2020 والرؤية 2030 من التقدم إلى مصاف الدول الأولى اقتصادياً إذا استطاعت أجهزتها الحكومية تبني هذه الرؤية وتشخيص المعوقات وإيجاد الحلول وتذليل الصعاب خاصة مع توفر كل مقومات النجاح وأهمها الدعم السياسي المنقطع النظير لهذه الرؤية والتحول نحو «اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ووطن طموح» ولا تزال هذه الرؤية 2030 تشغل العقول وتحفز الأفكار وتحث على التمعن فيها واستكشاف الخطى المؤدية لتحقيق أهدافها.    

حلا أحمد حامد معلا 

طالبة دكتوراه بقسم الإدارة العامة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA