الوقود النووي يولد الكهرباء بكلفة أقل 

تم إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة لتتولى مهام إعداد برامج الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في المملكة، وبخاصة في مجالات توليد الكهرباء والطاقات المتجددة وتحلية المياه وتحضير النظائر المشعة لاحتياجات الأبحاث الطبية والصناعية، مما يمكّن المملكة من استشراف حاجة المجتمع والتخطيط لتلبيتها بشكل دقيق ومدروس يساعد في زيادة معدلات التنمية ويعطي المملكة القدرة المعرفية ضمن الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلقة بموضوع الأمان النووي التي تنظم استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية وتوفر المواد الضرورية للاستخدامات الطبية والزراعية والصحية وكافة الاحتياجات الوطنية.

هذه المدينة تفتح باباً واسعاً للمساهمة في التنمية المستدامة في المملكة، وذلك باستخدام العلوم والأبحاث والصناعات ذات الصلة بالطاقة الذرية والمتجددة في الأغراض السلمية، بما يؤدي إلى توطين التقنية ورفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة، وبخاصة أن المملكة تشهد نموًا مطردًا وبمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه المحلاة، وذلك نتيجة للنمو السكاني والامتداد الحضري إلى جانب الأسعار المدعومة للمياه والكهرباء.

ويقابل هذا الطلب المتنامي على الكهرباء والماء طلب متزايد على الموارد الأحفورية «النفط والغاز» الناضبة لاستخدامها في توليد الكهرباء وتحلية المياه التي ستستمر الحاجة لتوفيرها بشكل متزايد، ولذلك فإن استخدام مصادر بديلة مستدامة وموثوقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة؛ يقلل من الاعتماد على تلك الموارد، وبالتالي يوفر ضمانًا إضافيًا لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه في المستقبل ويحفظ في الوقت ذاته تلك الموارد الأحفورية، الأمر الذي سيؤدي إلى إبقائها مصدرًا للدخل لفترات طويلة من الزمن، ولعل ذلك استكمالاً وتتويجًا لتأسيس معهد بحوث الطاقة الذرية بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية منذ عشرين عاماً.

تزود الطاقة الذرية دول العالم بأكثر من 16% من الطاقة الكهربائية؛ فهي تمد 35% من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي، كما أن اليابان تحصل على 30% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة الذرية، بينما تعتمد بلجيكا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وسلوفينيا وأوكرانيا على الطاقة الذرية لتزويد ثلث احتياجاتها من الطاقة، وذلك لأن كمية الوقود النووي المطلوبة لتوليد كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية أقل بكثير من كمية الغاز أو البترول اللازمة لتوليد نفس الكمية، فطن واحد من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر من ملايين من براميل البترول، كما أنها طاقة نظيفة لا تطلق غازات ضارة في الهواء كغازات ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين التي تسبب الاحتباس الحراري والمطر الحمضي والضباب الدخاني.

والحديث عن تحلية مياه البحر المالحة قد يسير بشكل متواز مع عملية إنتاج الكهرباء من الطاقة الذرية، حيث تستغل الحرارة الناتجة من تلك الطاقة في تبخير مياه البحر ومن ثم تحويلها إلى مياه عذبة كما هو معمول به لدينا في منطقة الخليج العربي، ولكن من خلال تطبيق الطرق التقليدية في إنتاج الطاقة الحرارية. 

تعتبر الطاقه الذرية من أعظم مصادر الطاقة في العالم، حيث يمكن استغلالها في مناح شتى كتوليد الكهرباء وتحلية المياه وفي استخلاص النظائر المشعة في الطب وتحسين المنتجات الزراعية وغير ذلك من الاستخدامات السلمية لتي لا حصر لها، بيد أنها من جانب آخر ينظر إليها على أنها من أكثر مصادر الطاقة حساسية وأكثرها إثارة للجدل والهواجس كونها قد تستخدم في صنع القنابل النووية أعظم الأسلحة فظاعة وأشدها فتكاً وتدميراً.

ويعرف عنصرا اليورانيوم والبلوتونيوم بأنهما العنصران المستخدمان في إنتاج الطاقة عن طريق الانشطار النووي، إذ إن كل ذرة من ذرات اليورانيوم والبلوتونيم لها نواة عند مركزها تتكون من «بروتونات ونيوترونات»، وعند الانشطار النووي تتصادم ذرة النيوترون مع ذرة اليورانيوم وعندئذ تنفلق النواة إلى جزأين مطلقة كمية هائلة من الطاقة، كما أنها تحرر نيوترونين أو ثلاثة لتتصادم هذه النيوترونات مع ذرات أخرى، ويحدث نفس الانشطار في كل مرة، وهو ما يسمى بالتفاعل المتسلسل، ولهذا يمكن أن يحدث ملايين الملايين من الانشطارات في جزء من المليون من الثانية، وهذا هو ما يحدث بالفعل عندما تنفجر قنبلة نووية، وفي حال توجيه الطاقة النووية للأغراض السلمية العادية فإن الانشطارات تحدث في آلة مصممة لذلك تسمى «المفاعل النووي» أو «الفرن الذري»، حيث يتم التحكم في سرعة الانشطارات بطرق مختلفة منها استخدام قضبان التحكم في عزل بعض النيوترونات بعيدًا عن عملية التفاعل. 

تستخدم الطاقه الذرية في وقتنا الحاضر في أغراض ومناح شتى منها توليد الطاقة الكهربائية، كذلك يمكن من خلالها تسيير السفن الضخمة «عابرات المحيطات»، وكذلك الغواصات لأن المفاعلات النووية لا تحتاج إلى أكسجين، ولذا يمكن للغواصات النووية البقاء تحت الماء لفترات زمنية طويلة. كذلك تستخدم الطاقة النووية في الطب حيث إن هناك أنواعاً معينة من الذرات الناتجه أثناء الانشطار النووي تساعد الأطباء في تشخيص بعض الأمراض ومكافحتها، وتسمى هذه الذرات بالنظائر المشعة، وهي ذات استخدامات أخرى كثيرة في الصناعة والزراعة.

كذلك يمكن استغلال الطاقة الحرارية الناتجة عن الانشطار النووي في تحلية مياه البحر والحصول على مياه عذبة، كما يمكن استغلال هذه الحرارة في تشغيل توربينات لتوليد الكهرباء كما يحصل استغلالها الآن بالطرق التقليدية لتحلية مياه البحر المالحة لدينا في دول منطقة الخليج العربي. 

أ. د. عبدالله بن محمد الشعلان

أستاذ الهندسة الكهربائية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA