السمعة المؤسسية في ظل المتغيرات

آفاق أكاديمية

في إطار توجه المملكة نحو تبني «رؤية 2030» وبرنامج التحول الوطني، صارت مجالس الإدارات والرؤساء التنفيذيون في المؤسسات السعودية أكثر وعياً وإدراكاً بالقيمة الاستراتيجية المترتبة على إدارة السمعة المؤسسية وفق أحدث الممارسات العالمية، ووجدوا أنفسهم مدفوعين للتأقلم سريعاً مع عالم اليوم الذي يتطلب إدارة أفضل للسمعة وإشراك أصحاب المصلحة.

ولكي يحقق الرؤساء التنفيذيون ومجالس إدارات المؤسسات في المملكة أفضل أداء لإدارة السمعة فإن الخطوة الأولى التي ينبغي اتخاذها هي الشروع في إجراء قياس دقيق للسمعة على مستوى كافة الإدارات داخل مؤسساتهم، كالشؤون المالية والعمليات التشغيلية والاستراتيجية المؤسسية وتطوير الأعمال والموارد البشرية وعلاقات المستثمرين والتشريع والاتصال.

إن إدارة السمعة المؤسسية في الغالب هي إحدى العوامل التي تحدد نجاح الشركة على المديين القصير والطويل، ومن ثم تُعد من الأصول القيّمة غير الملموسة؛ لذا إن وجدت الحاجة لإرساء سمعة قوية تعزّز من قدرة القائد على تنفيذ استراتيجية ما وفق مخطط زمني معيّن وتكلفة محددة، فلا بد أن يتم التعامل مع السمعة بنفس القدر الذي يتم التعامل فيه مع أي أصل ملموس.

ولا شك أن إدارة السمعة هي أحد أهم المفاهيم الحديثة، التي تتم عبر الاتصال المؤسسي المستمر، لتكريس سمعة طيبة للمؤسسة، للدرجة التي تجعل جمهور المتعاملين ينظر إليها باعتبارها مؤسسة وطنية صالحة، من خلال ما تقدمه له من تسهيلات وخدمات، ما يجعل جمهورها يقف بجانبها ويساندها عند تعرضها للعثرات أو الأزمات.

كما أن إدارة السمعة لا تعني فقط التوجه إلى الجمهور الخارجي، وإغفال الجمهور الداخلي، وهم العاملون في المؤسسة، على اعتبار أن توفير بيئة مواتية ومناخ محفز، من شأنه أن يحقق الرضى لدى العاملين في المؤسسة، ما يشعرهم بالفخر بالعمل لدى المؤسسة، ولذلك انعكاساته على سلوكهم مع جمهور المؤسسة الخارجي، باعتبار أنها حلقات متصلة ومكملة لبعضها بعضاً، ففاقد الشيء لا يعطيه.

من خلال بعض المشاهدات، هناك الكثير من المؤسسات والدوائر، التي تقوم بعمل جاد ومتميز، غير أنها لم تصل به بعد إلى كسب رضا الجمهور، مع العلم أن محصلة السمعة الطيبة للمؤسسات تصب في مصلحة المجتمع وصورة الدولة، باعتبار المؤسسات مكوناً مهماً وفاعلاً في تنمية منظومة الأداء، وهو ما أكده نيكولاس جورجيس، الشريك التنفيذي في معهد السمعة، حين قال: «تعتبر السمعة أهم مقياس لنجاح الشركات والمدن والدول، وفقاً لإحصاءات أجريت في عام 2011، والدليل أن 70% تقريباً من سمعة الدول تعتمد على الحكومة والشعب في آن».

ومن المعلوم أن الاتصال مهما كانت فاعليته، لا يكفي وحده لترسيخ سمعة طيبة للمؤسسة، ما لم يصاحب ذلك عمل جاد وحقيقي على أرض الواقع، يلمسه الجمهور، لذا فإن على المؤسسة تحمل مسؤوليتها الاجتماعية، تجاه المجتمع بصفة عامة وجمهورها على وجه الخصوص، من خلال برامج واضحة ومؤثرة، تسهم في إسعاد ورفاهية المحيطين بها، ومن ذلك المساهمة في دعم البحث العلمي، والحفاظ على البيئة، والمشاركة في الفعاليات المجتمعية، والتخفيف من معاناة بعض المتعثرين، وبذلك تنشأ حالة من الرضى المجتمعي الذي يتحول إلى ولاء عاطفي، يربط المؤسسة بالجمهور، وهو ما يؤدي –بالضرورة- للمحافظة على عملائها، وعدم التحول عنها عند أصعب الظروف.

كذلك فإن إحدى أهم أدوات إدارة سمعة المنظمة، هي ما تقدمه من خدمة حقيقية ترضي جمهورها، حيث يرى مختصو العلاقات العامة أنه في كثير من الأحيان فإن «طريقة تقديم الخدمة ورضى المتعاملين أهم من الخدمة ذاتها»، حيث إن الرقي في تقديم الخدمة لا يسعد فقط جمهورها، لأن السعادة حالة وقتية، ولكن يرتقي به إلى الرضا عن أدائها، وهو حالة أكثر ديمومة من السعادة.

يوجد حالياً توجه متنامٍ لدى مؤسسات المملكة لمواكبة ركب دول العالم المتقدم في مجال إدارة السمعة، وهو ما يعد اعترافاً من هذه المؤسسات بالقيمة المؤسسية المترتبة على إدارة السمعة بشكل جيد، ولكن هذا لا يمنع التأكيد على ضرورة تجنب الرؤساء التنفيذيين وقادة المؤسسات في المملكة التهاون في هذه المسألة.

وأخيراً، نشير إلى أن عدم مواصلة التطوّر في مجال إدارة السمعة قد يتسبب في هروب الجمهور ويحد من طموحات النمو الاقتصادي لعدد من أكبر المجموعات والعلامات التجارية السعودية الخاصة، لذا يجب على قادة المؤسسات السعودية من أصحاب الرؤى الاستشرافية أن يبذلوا قصارى جهدهم للتحلي بروح التغيير انسجاماً مع خطة التحول الوطني الاستشرافية للمملكة.

د.عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA