ضوابط السلامة والأمان في استخدامات الطاقة الذرية 

هناك جهود كبيرة بذلت وتبذل أثناء عمليات تصميم المفاعلات النووية وبنائها من أجل الوصول إلى أعلى درجات السلامة والأمان، ومن المعروف أن كل دولة تستخدم الطاقة الذرية في الأغراض السلمية تنشئ هيئات رقابية حكومية ومستقلة لمراقبة استيراد وتركيب وتشغيل وتخزين كل الأجهزة والمواد التي يصدر عنها إشعاعات مؤينة ضارة بالصحة والكائنات النباتية والحيوية، ويصبح وجود هذه الهيئة أكثر ضرورة عند البدء ببناء مفاعلات بحثية أو مفاعلات لإنتاج الطاقة.

إن اعتماد خيار الطاقة الذرية في المستقبل يرتكز أساساً على عدة عوامل جوهرية منها مدى توفر المصادر الأخرى للطاقة «بترول، فحم، غاز طبيعي، طاقات متجددة»، كذلك مدى الوعي البيئي ووجود الجهة المستثمرة «دولة، قطاع خاص»، ومدى المستوى التقني لامتلاك التقنيات النووية في ميدان المفاعلات النووية، كذلك مدى نمو الطلب على الطاقة في البلد، إذ يرتبط بالنمو المتزايد والنشاط الاقتصادي العالمي، كذلك توفر الوقود النووي الذي يعتمد على ما هو متوفر من اليورانيوم أو ما يمكن توفيره عبر اكتشافات جديدة بتقنيات جديدة.

وهناك أيضا عدة عوامل وضوابط جوهرية يجب أخذها في الحسبان عند التفكير في الاستحواذ على الطاقة الذرية واستغلالها والاستفادة منها، ومن تلك العوامل ما يلي:

- إدارة النفايات المشعة: يجب أن يتم التفكير فيه لاسيما على ضوء التكلفة العالية للتخلص من تلك النفايات وإيجاد أماكن تدفن فيها «عميقاً» تحت سطح الأرض، مع العلم بأن مراكز البحوث الذرية في جميع أنحاء العالم تعمل جاهدة على التخلص من تلك النفايات الضارة بإيجاد تقنيات حديثة آمنة لحل تلك المعضلة.

- الأمان النووي: وهو سجل مثير للجدل بالنظر للحوادث المأساوية المثيرة للفزع كالحادثة التي حصلت في جزيرة الأميال الثلاثة بولاية بنسلفانيا بأمريكا في 28 مارس 1979م وما أحدثته من هروب للسكان القريبين منها، وكذلك حادثة مفاعل تشيرنوبل في روسيا والتي حدثت في 26 أبريل من عام 1986م والتي تعد أكبر كارثة نووية شهدها العالم، وكذلك أحدث حادثة وهي كارثة زلزال اليابان الكبير الذي وقع في 11 مارس 2011م وما تبعه من انفجار مفاعل فوكوشيما النووي، وريما يؤدي التوسع في استخدام القدرة النووية إلى زيادة احتمالات وقوع مثل هذه الحوادث العارضة مما يستدعي جهوداً إضافية وخططاً استبقاقية لتلافي مثل تلك الحوادث وتجنب مخاطرها الماحقة.

- انتشار الأسلحة: إن المخاوف من انتشار السلاح الذري يساهم في عدم التمكن من اعتماد الخيار الذري في بعض الدول لا سيما تلك التي يتوجب عليها شراء المفاعلات والمواد النووية من الخارج وكيفية علاج والتخلص من نفاياتها.

- موقف الرأي العام من الطاقة الذرية: إن درجة القبول لدى الرأي العام تحدد مدى قيام متخذي القرار «لدينا مثلاً هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج» باعتماد الخيار الذري كمصدر ضمن مصادر الطاقة الأخرى.

- توفير المهارات في الميدان الذري: ويعتبر هذا الأمر مهماً في ظل وجود قرار باعتماد الخيار النووي، حيث إن الوصول بالمهارات الوطنية في أي ميدان -لاسيما ميدان الطاقة الذرية- يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، ورغم توفر هذه المهارات في الدول الكبرى فإنها بدأت تحس بالقلق إزاء تقلص الاهتمام بهذا التخصص في الجامعات ومراكز البحوث، لذا وضعت مشاريع دولية ووطنية «بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية» للحفاظ على المعرفة، وهذا ما يستدعي أن تسهم الدول الأخرى بمجهودات إضافية لتوفير حد معقول من المهارات النووية ذات الأغراض والتوجهات السلمية.

- البحث والتطوير: إن وجود مهارات وكفاءات في علوم الطاقة الذرية مؤهلة ومدربة على إنتاجها وإدارتها والهيمنة عليها؛ سيؤمن اندفاعاً في مجالات البحث والتطوير لاستغلال أمثل للطاقة الذرية كمصدر ثري وموثوق وآمن من مصادر الطاقة المستقبلية يمكن الركون إليه والاعتماد عليه.

وختاماً يبقى إن حجم التحديات المصاحبة لقضايا مصادر الطاقة وتأثيراتها على السلامة والصحة والبيئة في العقود القادمة، كبيراً ومثيراً للجدل، ويبقى على الدول التي تمتلك القدرات الذرية والنووية أن تساهم في تطوير مفاعلات أكثر أماناً وأقل تكلفة وأفضل جذباً للاستثمار التجاري، بيد أن القرار يبقى غير كافٍ إذ يجب أن يسبقه قرار بإعداد العلماء والمهندسين والفنيين القادرين على مواكبة تصميم وتركيب تلك المفاعلات وتشغيلها بكفاءة وأمان.

ويمكن القول إن هذا القرار يجب اتخاذه بغض النظر عما إذا كان ثمة خطط لبناء مثل تلك المفاعلات النووية أم لا، فبدلاً من أن نوجه طلابنا نحو دراسات لا تجدي، يتوجب أن يكون هناك توجيه نحو دراسات الطاقة الذرية للأغراض السلمية، فالحاجة لوجود علماء ومهندسين وفنيين في ميدان الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية هي حاجة جلية وملحة سيما في وقتنا الحاضر وقبل أن يفوتنا القطار ثم نتطلع حولنا فنجد العالم قد سبقنا ونحن ما برحنا نراوح مكاننا ولا زلنا ننتظر ركوب المحطة القادمة، وهذا ما تجلت عنه الرؤية الحصيفة للمملكة 2030 في السباق مع الزمن واللحاق بالركب قبل فوات الأوان.

أ. د. عبدالله بن محمد الشعلان

الهندسة الكهربائية 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA