بين الحزم واللين

آفاق أكاديمية

تتطلب المواقف التعليمية التي يؤديها المدرّس أو الأستاذ الجامعي تجاه طلابه؛ ممارسة شكل من أشكال الحزم أو الشدة أو القسوة، لحثهم على الجد والاجتهاد والانضباط والالتزام، حالُه في ذلك حال الوالد المربي الذي يمزج في تربيته لأبنائه بين الرحمة واللين من جهة، والحزم والشدة من جهة أخرى، وينوع في ذلك حسب الموقف التربوي.

ونذكر –إبان دراستنا الجامعية- نماذج رائعة من الأساتذة الذين تركوا بصماتهم على أدائنا العلمي بل وممارستنا العملية، فكانوا نماذج في الانضباط والحرص على تقديم المادة العلمية المتجددة، هؤلاء ربما متطلباتهم أعلى من غيرهم، إلا أن الفائدة العلمية والعملية التي جنيناها شعرنا بأثرها في مستقبل حياتنا العملية، ولا نزال نحمل لمثل هذه النماذج الكثير من التقدير والاحترام، أكثر من أولئك الذين يغضون الطرف عن تقصيرنا أو ضعف أدائنا العلمي.

بعض الطلاب يَنفرون من الأساتذة الجادين والحازمين وينقلون الصورة «مُبهَّرةً» ومبالغاً بها لزملائهم الآخرين وبخاصة منهم المستجدين، ويقعون بسبب ذلك في خطيئة «تكوين صورة ذهنية غير صحيحة» عن ذلك الأستاذ، لا تمثل شخصيته أو أسلوبه في التعامل، ولا يكتفون بذلك بل ينقلون تلك الصورة لغيرهم من الطلاب.

وقد كشفت دراسة أجريت مؤخراً، أن التربية الصارمة التي تجمع بين الرفق واللين والحب من جهة والحزم والانضباط من جهة أخرى، تؤدي إلى أداء أفضل في الدراسة، وقال باحثون في دورية «تشايلد ديفيلوبمنت» الأمريكية إن الأبناء والطلاب الذين تمت تربيتهم بأسلوب يجمع بين اللين والحزم يجنحون بشكل أكبر للانضباط والتفوق والبعد عن أصدقاء السوء.

وجاء في الدراسة، أن هؤلاء المبحوثين يفضلون التوازن بين الوقت الذي يقضونه مع أصدقائهم والوقت الذي يقضونه في أداء فروضهم المنزلية، ولا يميلون لانتهاك القواعد بنفس القدر الذي يميل إليه نظراؤهم ممن تربوا على الدلال، وعرَّفت الدراسة التربية الحازمة بالتربية القائمة على الموازنة بين مشاعر الحب والرفق والدلال وأساليب العقاب اللفظي والبدني غير المؤذي.

ويشير خبراء التربية إلى أن الانضباط والحزم يجب أن لا يغيب عن بال الوالدَين عند تربيتهما لأبنائهما، أو الأساتذة عند تعاملهم مع طلابهم، وينصحون باتباع كلا الأمرين في خطين متوازيين، حب ورفق وتفهم وتسامح، وحزم وقسوة وعقاب عند التهاون أو الاستهتار أو ارتكاب المخالفات.

بغض النظر عن دعوة أساليب التربية الحديثة إلى تجنب العقاب والقسوة، وما تؤدي إليه من نتائج عكسية وآثار سلبية على شخصية الطفل وسلوكه، فإنني أعتقد أن التربية الناجحة هي التي تجمع بين الحب والرفق واللين والتسامح من جهة، والحزم في المواقف التي تستدعي ذلك من جهة أخرى.

د.عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA