الأقنعة المزيفة انهزام داخلي 

 

يحاول الفرد أن يتجّمل دائمًا أمام الناس وهذا شيء طبيعي، ولكن الأمور قد تصل بالبعض إلى أن يظهر بمظهر كاذب يقوم فيه بلبس قناع جميل ومرغوب اجتماعيًاً، وحسب الموقف فيظهر بهيئة وحقيقة غير حقيقته، يخفي شيئاًًً ويظهر أمام الناس بشكل مضاد له تماماً؛ ليحقق بعضاًً من أهدافه وغاياته وللإضرار بالناس وخداعهم، وإيقاعهم في شراكه وشباكه. فالفرد منا يجب أن لا ينبهر كثيراً بالصورة المثالية الكاملة والزاهية التي يقدمها ويظهر بها لنا المشاهير عن أنفسهم، وحياتهم والتظاهر بغير شخصياتهم الحقيقية كي يبدو أمام الناس بغير حقائقهم وصفاتهم  بعكس سلوكهم اليومي وحقيقة معيشتهم، لتحسّين صورتهم أمام العامة، ومن ثم  ضمان المزيد من النجاح لأعمالهم.

 وقد أرجع علم النفس لبس الأقنعة عند من يقومون بهذا التصرف إلى تدني تقدير الذات لديهم، فالفرد الذي يتمتع بقدر عالٍ من تقدير الذات يعبر عن ذاته الحقيقية، والذي يمتلك تقديراً ذاتياً متدنياً يلبس قناعاً مزيفاً ليخفي وراءه مشاعره  الحقيقية عن الناس، وهو يحاول أن يكون ذاتاً أو شخصاً غير ذاته الحقيقية، من أجل التأثير في الآخرين، وإقناعهم بذاته المزيفة. كما أن هذا السلوك ينطوي على انهزام للذات كما يقول برادشو»، قناع الذات الزائفة يجعل تعزيز المرء لذاته أمراً مستحيلاً. فحالة الصراع هذه بين الفرد وذاته الحقيقية والمزيفة  بين الظهور أمام الناس  بهيئة مزيفة وبين الظهور بهيئته الحقيقية تعرضه للشعور بالتعب والإعياء والتوتر والخوف من انكشاف واقعه المزيف، وتعرضه لأشكال من الاضطرابات النفسية. يقول «بريجز»:  «يرتدي الناس الأقنعة ليخفوا وراءها ذاتاً لا قيمة لها، وهم يوارون ضعف تقديرهم لأنفسهم» . فالسعادة الزائفة ولبس الأقنعة والتظاهر بمظاهر كاذبة ومخادعة لا تقود إلى سعادة حقيقية؛ فالسعادة الحقيقية ومظاهر الصحة النفسية عند الفرد  هي في الرضى عن الذات، وتقبلها والتصالح معها ومحاولة تطويرها وتحسينها وليس بإخفائها والظهور بما يعاكسها بقناع آخر كما يقول عالم النفس المشهور روجرز، فأحياناً يبالغ الفرد في إظهار سعادة مصطنعة وتأليف الكثير من القصص المزيفة حول واقع حياته، وهذا يبعده عن مواجهة المواقف الصعبة والتغلب على مشاعر الخوف والقلق والإحباط.‏وقد تكون كل تلك الحيل والوسائل المزيفة والأقنعة تعبيراً عن الحيل النفسية ووسائل يدافع فيها الفرد عن نفسه  كالتبرير والنكوص وردة الفعل وغيرها..

 ويرى عالم النفس السابق الذكر «روجز» أن علاج الفرد يتم من خلال  العمل على إعادة تنظيم الذات للفرد الذي ينفصل عن ذاته الحقيقية، من خلال مساعدته  على تلاشي آثار ظروف الاستحقاق أو شروط الأهمية التي يسعى للحصول عليها من خلال الآخرين والبيئة الاجتماعية المحيطة به التي يلبس لها الفرد تلك الأقنعة, وأن يتم مساعدته على المزيد من الانفتاح نحو الخبرات والذات الحقيقية له  وتقبّلها الأمر الذي يحقق مزيدًا من الانسجام بين مفهوم الذات وعالم الخبرة، ويصبح الفرد عندها أكثر فعالية وتوافقاً ونضجاً. ومن خلال انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الكثيرة وتعددها في عصرنا الحاضر «الواتس آب، وتويتر، الفيسبوك...إلخ» يمكنك أن تشاهد وبوضوح الأقنعة المزيفة، والمظاهر الخادعة، والمواقف والصفات المثالية وغير الواقعية التي يظهر بها الأشخاص على غير حقيقتهم. وهذا قد يخفي الكثير من الصور والنوايا والأهداف الشريرة للإيقاع بالآخرين وإيهامهم وخداعهم مما يعرضهم للخطر . وفي نطاق العلاقات الأسرية والعلاقة الزوجية يمكن القول إن التظاهر بالسعادة الزوجية المزيفة والكاذبة أمام الآخرين، وسرد القصص الخيالية في ذلك والتعود عليها وجعلها أسلوباً للحياة تعتاد عليها الزوجة أو الزوج أمام زملائه أو زميلاتها، ربما قد يكون له أضرار نفسية  واجتماعية وأسرية عليهم وعلى أصدقائهم وزملائهم، وقد يصبح الإنسان بارعاً في الدهاء وفي لبس الأقنعة المزيفة  غير أنه يبقى  في صراع دائم بين حلاوة الخيال، وجمال السعادة الخيالية المزعومة، وما بين الاصطدام بالواقع المخفي والتذبذب والصراع من عالم الخيال إلى عالم الواقع  يحدث شرخاً وألماً  في المشاعر ويسبب  الكثير من حالات  الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق  والشعور بتدني تقدير الذات ..وبعض الناس ُيظهر لنا وجهاً طيباً وأخلاقاً رائعة ومثالية ومتكاملة حتى تكاد تظن أنها وجوه ملائكية تسير على  الارض.. ولكنها وجوه مزيفة وأقنعة يلبسونها لأهداف يسعون لتحقيقها وهم من الداخل شيء آخر..ُيظهرون  أشياء ويبطنون أشياء أخرى ..

هذه الفصامية في السلوك تقود  للاضطراب والمرض النفسي. وقد يكون من الصعب معرفة هؤلاء والحكم عليهم إلا بعد الاقتراب منهم، واكتشاف من هم على حقيقتهم . فأخي الفاضل حاول قدر الإمكان أن تكون واقعياً ولا تظهر ما لا تبطن، وتعامل بوجهك الحقيقي وذاتك الحقيقية  بعد أن تنزع عنه كل أقنعة الزيف التي تثقل على نفسك، وتقيم بينك وبين الآخرين علاقات واهية وزائفة. تدفع بك للمرض والصراع النفسي والمعاناة الحقيقية. فكن أنت كما أنت على هيئتك الطبيعية، وعالج نقاط الضعف لديك، وابحث عن نقاط واقعية كي تعزز ذاتك ، وقل لنفسك لماذا أظهر بتلك المظاهر المزيفة وما هي فائدتها؟ فينبغي للفرد أن يكف عن ارتداء الأقنعة المزيفة ويبدأ بقبول نفسه على حقيقتها ويركزّ على نقاط القوة لديه فينمّيها في شخصيته لأعلى مستوى ممكن، ويحاول أن يتغلب على نقاط الضعف ويحدّ من تأثيرها عليه بدلاً من إخفائها .قال تعإلى: «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام».

 

د/ علي موسى الصبحيين

قسم علم النفس –جامعة الملك سعود

ـ إشراف اللجنة الدائمة لتعزيز الصحة النفسية بالجامعة

 

للتواصل مع الوحدات التي تقدم خدمات الصحة النفسية بالجامعة: 

- وحدة الخدمات النفسية بقسم علم النفس بكلية التربية- هاتف: 0114674801

- مركز التوجيه والإرشاد الطلابي بعمادة شؤون الطلاب- هاتف: 0114973926

- وحدة التوجيه والإرشاد النفسي بعمادة شؤون الطلاب- هاتف: 0114673926

- الوحدة النفسية بقسم علم النفس بالمدينة الجامعية «طالبات»- هاتف: 0532291003

- قسم الطب النفسي بمستشفى الملك خالد الجامعي- هاتف: 0114672402 

- مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي- هاتف: 0114786100

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA