3 أنواع للقرّاء .. بسيط وموهوب وحالم

حسب تصنيف الأديب الألماني هيرمان هيسه

قسّم الأديب الألماني هيرمان هيسه القراء إلى ثلاثة أصناف: الأول قارئ بسيط يتعامل مع الكتاب كمحتوى ثقافي أو جمالي فقط، والثاني قارئ موهوب ينبهر بالكتاب ويعمد لسبر أعماق الدافع الإبداعي لدى الكاتب وقراءة ما بين السطور واستكشاف التجربة الكامنة وراء الكتابة، والثالث أطلق عليه مسمى القارئ الحالم والمفسر، الذي يمارس القراءة بحرية كاملة.

يقول هيسه: «عندما تكون مخيلتنا وقدرتنا على الربط في ذروتها، فإن قراءتنا لا تعود مقصورة على ما هو مطبوع على الورق، ولكننا نسبح في سيل من الحوافز والإلهامات التي تصلنا مما نقرأ».

ويضيف: «لدينا ميل فطري لإنشاء أنماط في عقولنا، وتقسيم البشر وفقًا لها، ولكن قد يكون الكشف عن هذه الفئات، ممارسة جيدة ومثمرة لاتخاذ عينة إحصائية فيما يتعلق بالتجربة بطريقة أخرى، وكشف أن كل شخص يحمل آثاراً في نفسه من كل نوع، وأن الشخصيات والأمزجة المختلفة يمكن إيجادها كصفات متراوحة ضمن فرد واحد».

النوع الأول حسب تصنيف هيسه، هو القارئ البسيط الذي يواجه الكتاب كمجرد محتوى ثقافي أو جمالي، ويستهلك الكتاب كما يستهلك الفرد الطعام فهو يأكل ويشرب ليشبع، هو ببساطة مشترٍ، سواء كان صبيًا معه كتاب عن الهنود، أو خادمة معها رواية عن الكونتيسات، أو طالب معه كتاب لشوبنهاور، وصلة هذا القارئ بالكتاب ليست كصلة شخص بشخص آخر، ولكن كالحصان لفارسه، أو ربما كالحصان لقائده، ويفترض هذا النوع من القرّاء أن الكتاب موجود فقط ليُقرأ بأمانة واهتمام، وأن يُحكم عليه وفقًا لمضمونه أو فكرته، تمامًا كرغيف خبز موجود ليؤكل، وسرير لِيُنام عليه.

والنوع الثاني، يمكن تسميته بالقارئ المحقق البارع الموهوب الذي يتمتع بانبهار طفل يرى ما وراء سطحيات المضمون ويسبر أعماق الدافع الإبداعي لدى الكاتب، وهو قارئ لا يُقدِّر محتوى الكتاب ولا فكرته، كأهم قيمة له لأنه يعلم بالطريقة التي يعلم بها الأطفال أن كل موضوع قد يتضمن على عشرة أو مائة من المعاني للعقل، وهو قارئ متقدم إلى حد أنه يعلم أكثر ما يجهله أساتذة الأدب والنقد الأدبي، وهو أنه لا وجود لشيء يدعى حرية اختيار للمادة أو الفكرة، وتختفي من وجهة نظره ما يسمى القيم الجمالية، حيث يمكن أن تكون حوادث وحيرة الكاتب على وجه التحديد هي التي تقدم الكثير من السحر والقيمة.

النوع الثالث والأخير ليس بقارئ بل حالم ومفسر، وهو شخص يتحلى، بكل ما تعنيه الكلمة، بنفسه، فهو الشخص الذي يواجه مسألة قراءته بحرية كاملة، ولا يرغب أن يتعلم، ولا أن يرفه عن نفسه، فهو يستخدم الكتاب تمامًا كأي شيء في العالم، فالكتاب بالنسبة له مجرد نقطة انطلاق وحافز، ما يقرأه أساسًا لا يؤثر عليه، فهو لا يحتاج إلى فيلسوف ليتعلم منه، أو يسير على تعليمه، أو يهاجمه، أو ينتقده، فهو إذا أردت طفل تمامًا يلعب مع كل شيء ومن وجهة نظر واحدة، لا يوجد شيء أكثر فائدة وجدوى من اللعب مع كل شيء، وإذا وجد هذا القارئ في أحد الكتب جملة جميلة، أو حقيقة، أو حكمة، فإنه يبدأ، بشكل تجريبي، قلبها رأسًا على عقب.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA