نظام إدارة الأداء.. المفهوم والمتطلبات والغايات

اتجهت الحكومة في سياق التحول الوطني ورؤية 2030، إلى العمل بنظام إدارة الأداء «Performance Management» على مستوى جهاز الخدمة المدنية، بدلاً من الاكتفاء بالعمل بأحد عناصره وهو تقويم الأداء الوظيفي، وفي هذه المقالة سأتناول على عجالة موضوع إدارة الأداء من حيث مفهومه ومتطلباته وعوائده على الفرد والمنظمة وقضايا أخرى ترتبط به.

يعرف مصطلح الأداء بأنه مجموعة التصرفات والسلوكيات «النشاطات» المرتبطة بوظيفة يقوم بها موظف أو وحدة إدارية لتحقيق هدف معين، فمثلاً السكرتير يقوم بتصرفات سلوكية في إطار وظيفته تتمثل في الرد على المكالمات الواردة، وتنسيق مواعيد مقابلة المدير، وتحرير الخطابات، وحفظ وأرشفة المذكرات الواردة، وتنظيم دخول المراجعين على المدير ونحو ذلك.

والأداء لا يعني الإنجاز، فقد يؤدي الموظف عدة أنشطة ولكنها لا تفضي إلى إنجاز شيء ذي قيمة، فالإنجاز يمثل مخرجات لعملية الأداء «outputs» والتي تتمثل في الخدمات المقدمة أو السلع المصنعة، وأي أداء بدون مخرجات فهو جعجعة بدون طحين.

وإدارة الأداء هي منظومة متكاملة، تشمل عدداً من المراحل، الأولى تتمثل في توفير متطلبات إدارة الأداء ومن أبرزها التأكد من مدى وجود خطة استراتيجية متكاملة للمنظمة تحتوي على رؤية ورسالة وغايات وأهداف استراتيجية، ومجموعة من القيم التي تضبط تفكير وتصرفات القيادات الإدارية والموظفين، كذلك وجود وصف وظيفي لكل وظيفة في المنظمة. كما بجب الاهتمام بتهيئة وتدريب الموظفين والمديرين على كيفية بناء وإدارة النظام من حيث تحديد أهداف سنوية لكل وظيفة وتحديد مستويات ومعايير ومؤشرات الأداء وكيفية قياس ذلك وكيفية تصميم نظام لمكافأة الأداء يقوم على فلسفة ربط المكافأة بالأداء «المكافأة المادية أو المعنوية المقرونة بالأداء»، وغير ذلك.

المرحلة الثانية تتمثل في تخطيط الأداء: وفي هذه المرحلة يتم الاتفاق بين المديرين والموظفين على الأهداف المطلوب تحقيقها، ووضع مستويات ومؤشرات للأداء، وتحديد دور الموظف والمدير أثناء عملية التنفيذ في إطار إدارة الأداء «ميثاق الأداء».

الثالثة الشروع بالأداء: وفي هذه المرحلة يبدأ الموظف بمباشرة العمل بصورة فعلية، وعلى المدير أو الرئيس المباشر أن يقدم كافة المعلومات والتسهيلات اللازمة للموظف للقيام بالأداء المطلوب، واقتراح التدريب المناسب، وحل المشكلات الناشئة، ورصد عملية التقدم في الأداء وتقديم تغذية مرتدة مباشرة أولا بأول، وكذلك منح الحوافز المجزية وفق الأداء المتحقق فعلاً، وعلى الموظف بذل الجهد والأداء الذي يفي بالمعايير المحددة.

رابعاً تقدير وتقييم الأداء: في هذه المرحلة يتم تقييم أداء الموظف للتحقق من مدى إيفائه بالمعايير المحددة، وتحقيق الأهداف المرسومة، ولا شك أن طرق تقييم الأداء كثيرة، ولابد من اختيار الطريقة التي تتناسب مع طبيعة الوظيفة والأداء المطلوب من الموظف، ومنها طريقة الترتيب، وطريقة التوزيع الإجباري «طريقة الجرس»، وغيرها من الطرق التي تزخر بها كتب إدارة الموارد البشرية، وهي طرق يؤخذ عليها أنها تعتمد على رأي واحد فقط حول أداء الموظف، وهو رأي الرئيس المباشر، وقد ظهرت طريقة حديثة هي طريقة التقييم الشامل «متعدد المصادر-360درحة»، وبرغم صعوبة تطبيقها إلا أنها أكثر موضوعية؛ لكونها تعتمد على عدة أطراف في تقييم أداء الموظف ثم تحويل تقديراتهم إلى قيم كمية وأخذ المتوسط الإجمالي العام، ثم إصدار الحكم على أداء الموظف من خلاله.

خامساً مراجعة الأداء: وفي هذه المرحلة يُنظم لقاء بين الرئيس المباشر والموظف لإطلاعه على تقرير الأداء الذي كُتب عنه، والتعرف على أسباب تدني الأداء «إن وجد» والاستماع لرأيه؛ فقد يتدنى الأداء لأسباب ذاتية خاصة بالموظف أو لأسباب وعوامل تنظيمية، كذلك في هذه المرحلة لا بد أن يُعطى الموظف تغذية مرتدة «feed back» عن أدائه سلباً وإيجاباً، مع ضرورة البدء بالجوانب الإيجابية.

وفي هذه المرحلة -أيضاً- يتم الاتفاق على خطة تنموية لتطوير الموظف والارتقاء بقدراته مستقبلاً، يلتزم بها الموظف ويتابعها الرئيس المباشر، قد تشتمل على أنشطة عديدة منها: التدريب والتأهيل داخلياً أو خارجياً، والتدوير الوظيفي، وورش العمل، والاشتراك في اللجان المتخصصة، والتنمية الذاتية، ونحو ذلك.

سادساً هيكلة الأداء: وفي هذه المرحلة قد يعاد النظر في أمور كثيرة تمس الأداء، بناءً على تقارير تقييم أداء الموظفين، لأنها تكشف جوانب كثيرة تستدعي إعادة النظر فيها، منها استراتيجية المنظمة وأهدافها ومعايير ومؤشرات الأداء؛ فقد تكون الأهداف متواضعة أو غير واقعية أو صعبة جداً، وقد تكون استراتيجية المنظمة غير منسجمة مع متغيرات البيئة المتغيرة، أو وجود تشوهات في الهيكل التنظيمي.

ومن الأمور المهمة في إدارة الأداء ما يعرف بمعايير الأداء، ومفردها معيار وهو «المستوى المتوقع، أو المستهدف إنجازه من قبل موظف أو فريق عمل معين «target»؛ مثلاً إنجاز «100 معاملة يومياً» معيار لموظف حكومي، طباعة «60» كلمة في الدقيقة معيار للناسخ، إجراء «2» عملية خالية من الأخطاء الطبية معيار للجراح أسبوعياً، غسل وكي «20» قطعة يومياً معيار للخادمة في المنزل، وهكذا.

كذلك هناك ما يعرف بمؤشرات الأداء «Key Performance Indicators: KPIs»، وهي أمر لا يقل أهمية عن معايير الأداء، وهي عنصر مهم من عناصر إدارة الأداء وتختلف من وظيفة لأخرى، وتعرف بأنها مجموعة من المقاييس الكمية والنوعية التي تستخدم لتتبع الأداء والاستدلال على التقدم نحو مستويات الأداء والأهداف المتفق عليها.

ومؤشرات الأداء على أهميتها، تكون واضحة ومفيدة بشكل كبير في الوظائف أو الأعمال ذات المخرجات الملموسة والواضحة مثل البنوك والجوازات والأحوال المدنية، حيث يمكن تحديد مستوى أداء معين للموظف مثل إنجاز «100» معاملة كل يوم كمعيار، ثم محاسبته آخر الدوام لمعرفة عدد ما تم إنجازه من المعاملات.

نخلص مما سبق إلى القول أن إدارة الأداء تمثل نوعاً من التغيير التنظيمي الهادف، وهي ثقافة جديدة يتم إحلالها في المنظمة تتطلب جهداً وصبراً ورعايةً من أعلى القيادات في الهرم الإداري، وقد تواجه مقاومة كبيرة، لكنها تبقى أمراً لابد منه لكونها تشكل الوعاء الذي تنصهر وتتفاعل فيه كل الجهود والأداءت الخاصة بالأفراد والوحدات الداخلية لتصب في خانة واحدة، هي تحقيق الهدف الاستراتيجي للمنظمة.  

د. عبدالملك طاهر المخلافي

كلية إدارة الأعمال

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA