أهمية العدالة والوسطية في العملية التدريسية

الوسطية مطلب هام في معظم أمور معيشتنا، لا تستقيم الحياة بفقدانها، وقد جاء ديننا الحنيف متوافقًا مع هذا المبدأ العام، المنسجم مع فطرة الخلق؛ فالوسطية والاعتدال مِن أبرز سماته، فلا تطرف في معتقداته وعباداته وتشريعاته؛ فلا يترك لأتباعه الحبل على الغارب في شؤون دينهم ودنياهم، ولا يطالبهم بما يشقُّ على النفس ولا يطاق.

إن مهنة التدريس واحدة من المهن الحيوية التي لا غنى للمجتمعات عنها، وهي بدورها لا غنى لها عن الوسطية، بل هي في أمسِّ الحاجة إليها، ومِن الضرورة بمكان أن يتحلَّى بها كل من يُناط به مهمات تدريسية؛ لكي تعمل المهنة بأقصى كفاءةٍ ممكنة لخدمة المجتمع.

المبالغة في التشدد مع الطلبة، أو الإفراط في التساهل معهم، يقود إلى نتائج سلبية، قد تكون عواقبها وخيمة على الطلبة والمجتمع، مع مخرجات تعليم ضعيفة؛ لأن الظلم واقع في الحالتين: عند حرمان الطالب مِن حقه في درجات أعلى ونتائج أفضل، في الحالة الأولى، أو الحصول على أفضل مما يستحقه من تقييم، في الحالة الثانية، فيسلب فرصة طالب آخر هو أحق منه بها.

يدفع التشدُّد بعض المدرسين إلى المبالغة في خصم الدرجات على أقل الهفوات في تصحيح الاختبارات، وحرمان الطالب من فرص المراجعة، إضافة لوضع حواجز بينه وبين طلبته، تجعل تواصلهم معه مهمة صعبة، ويتمثل التساهل عند البعض الآخر في التفريط في القيام بواجباته الأساسية، والإغداق على طلابه بدرجات لا يستحقُّها كثير منهم.

يؤدِّي التشدد الزائد إلى نتائج معاكسة لما قد يتصورها من يتخذونه أسلوبًا يظنون بأنه سيحفز الطالب على بذل جهد أكبر في الدراسة والمذاكرة، وقد يصح هذا جزئيًّا مع نسبة من الطلبة، ولكن ليس بالضرورة دائمًا، بل قد يؤدي إلى عكس ذلك بسبب هاجس الخوف الذي يسيطر على عقل الطالب مِن تدني نتائجه، أو الرسوب؛ فتضعف قدرته على التحصيل والإبداع؛ لضعف ثقته - أو فقدانها - بالمدرس، وكذلك هو حال التمادي في التساهل مع الطالب، يجعل منه غير مكترث بدروسه، ومهملًا لأداء ما عليه من واجبات؛ نتيجة لشعوره أن نتيجته مضمونة لن يغيرها شيء يُذكَر، من اجتهاده أو عدمه.

وسطية المدرس الناجح، المتمكِّن من مواده التي يقوم بتدريسها، هي التي تجعله يضبط أمور طلبته في قاعته أو صفه، ويشد انتباههم طوال وقت الدرس، دون التهديد باستخدام خصم الدرجات كأسلوب عقاب عند كل صغيرة وكبيرة، خارج نطاق ما ينص عليه النظام؛ لأن في ذلك ظلمًا صريحًا وسوء استخدام للصلاحيات الممنوحة له في غير مكانها.

تقتضي وسطية المدرس أن يطبق مبدأ العدل على طلبته، بفصل درجاتهم عن أي رأي شخصي له، أو علاقة خاصة تربطه بأحدهم أو عدد منهم؛ مثل قرابة، أو مودة، أو بغضاء، خارج نطاق قاعة الدرس؛ لأن عكس ذلك يعني خيانة واضحة للأمانة التي كُلف بها، والتي هو مسؤول عنها أمام الله أولًا ثم أمام المجتمع، فعليه أن يتقي الله دائمًا في تعامله مع طلابه، بكبحه جماح أي رغبة بداخله تدعوه لعقاب أو ثواب في غير موضعه.

من الأمور التي يواجهها المدرس والتي تشق على النفس: صعوبة اتخاذ القرار؛ بسبب الحيرة التي قد يجد نفسه فيها عند إعداد الدرجات النهائية، مع نهاية كل فصل أو عام دراسي، مع الحالات الحرجة للطلبة، الذين تقف درجاتهم دون حد النجاح بقليل، وهذا أمر طبيعي، عندئذ ليتذكَّر كل مدرس أن ترسيب طالب قد يستحق النجاح فيه ظلم أكبر من إنجاح طالب قد يستحق الرسوب، وأن موازينه التي يستخدمها مهما تصور أنها دقيقة فيها نسبة خطأ واردة؛ لأنها من صنع إنسان.

أ. عاهد الخطيب

كلية العلوم

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA