الجامعات ومراكز الأبحاث.. نحو اقتصاد أخضر

يأتي اليوم العالمي للأرض والذي يوافق 22 أبريل من كل عام لتجديد الالتزام بالحفاظ على العناصر الطبيعية لكوكب الأرض من التلوث والتدهور، وليحمل رسالة بيئية للمحافظة على مفردات البيئة وللتوعية بظاهرة الاحتباس الحراري.

وتعد قضية التغير المناخي من القضايا العالمية الساخنة لما يترتب عليها من آثار بيئية تشمل ارتفاع درجات الحرارة عن معدلها الطبيعي، واختلال في الطقس وأنماط سقوط الأمطار، وازدياد موجات التصحر، وارتفاع منسوب سطح البحر مما يؤثر في قطاعات عديدة، وما لم تتخذ سياسات فعالة فسوف يتعرض كوكب الأرض للمزيد من الأخطار.

ومن بين الجهود الدولية الفعالة القائمة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي ومواجهة التحدي في امكانية التوفيق بين النمو الاقتصادي والسكاني مع الحفاظ على عناصر البيئة، هو التوجه نحو الاقتصاد الأخضر «Green economy» والذي يعد أحد أهم الحلول لحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة من خلال إيجاد التكامل بين أبعادها الثلاثة الاقتصادية، البيئية، والاجتماعية. ويعرِّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه «الاقتصاد الذي ينتج عنه تحسن في رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية، في حين يقلل بصورة ملحوظة من المخاطر البيئية وندرة الموارد الإيكولوجية»، فالاقتصاد الأخضر يرتكز على الاستثمار في رأس المال الطبيعي، والمحافظة على النظم الإيكولوجية، وتخفيف انبعاثات غازات الدفيئة من خلال اعتماد تقنيات منخفضة الكربون، واستخدام كفء للموارد وتنويع مصادر الطاقة مما يؤدي إلى رفع الإنتاجية ويخلق فرص عمل جديدة «ووظائف خضراء» في العديد من القطاعات مما يسهم في تحقيق تنمية اجتماعية شاملة ورخاء اقتصادياً دون استنفاد للأصول الطبيعية. 

والتحول نحو الاقتصاد الأخضر يتطلب دمج البعد البيئي في كافة خطط التنمية وتطوير استراتيجيات بيئية تمكينية شاملة للتنمية الخضراء، وإطلاق مبادرات وأنظمة بيئية فعالة، ودعم الاستثمار البيئي وزيادة الإنفاق على عملية البحث ودفع مسيرة التطوير والابتكار في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الخضراء.

أيضا إيجاد التكامل بين كافة الجهات ذات العلاقة، وتحفيزعقد شراكات بين القطاعين العام والخاص بما يسهم في تحقيق أهداف رؤية 2030، لا سيّما وأن المملكة تعاني من محدودية الموارد، وهنا يأتي دور الجامعات والمؤسسات البحثية في القطاع العام والخاص في التفاعل المؤثر مع قضية تغير المناخ والقيام بواجبها تجاه البيئة من خلال تعزيز مفهوم البحث العلمي الفعال الذي يخدم المجتمع والقائم على الابتكار وارتباطه الوثيق بجهود الحد من تداعيات التغير المناخي، واستثمار طاقات الشباب الإبداعية وتوجيهها نحو الابتكارات النوعية لإيجاد وتسويق حلول جديدة لخفض الانبعاثات الكربونية وتطوير صناعات صديقة للبيئة ذات قيمة اقتصادية.

كذلك تعزيز الأبحاث في مجالات المحافظة على التنوع البيولوجي، فالمملكة تزخر بأشكال من التنوع النباتي والحيواني، واستخدام قواعد البيانات البيئية لتصنيف الأنواع وتحديد مواطنها وتكثيف الدراسات لحفظ الأصول الوراثية وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، إضافة لدعم الدراسات المعنية بتقديم الحلول للتقليل من مصادر تهديد النظم الإيكولوجية للحياة الفطرية البرية والبحرية وتعزيز سبل الاستفادة من نتائجها وتأسيس ما يكون بمثابة مركز معلومات وطني تصب فيه جميع الأبحاث الموجهة لحفظ الثروات الطبيعية لتحقيق الأمن البيئي وحماية الأجيال القادمة من مواجهة نضوب في الموارد الطبيعية.

كذلك يجب تبني القطاعات كافة لمبادرات التوعية البيئية لرفع مستوى الحس البيئي الوطني بقضايا تغير المناخ ومفاهيم الاستدامة مع أهمية إيجاد إعلام بيئي حي مواكب للحدث، فمخيف جدا ما ترصده وزارة البيئة من جرائم بيئية كقطع الأشجار للاحتطاب والصيد والذي تسبب في اختفاء كثير من الأنواع النباتية والحيوانية، كما أن إزالة الأشجار تؤدي أيضا إلى تناقص عملية البناء الضوئي التي تعمل على تقليل ثاني أكسيد الكربون، مما يفاقم من ظاهرة الاحتباس الحراري.

لذلك كله يجب تفعيل قوانين بيئية رادعة للمخالفين للحد من العبث والإخلال بتوازن النظم الإيكولوجية، أيضا المساهمة في بلورة الوعي بأهمية الغطاء النباتي ومصادر الطاقة البديلة والإدارة الفعالة للمياة من خلال حملات بيئية لتنمية القيم الإيجابية في المجتمع، ودعم مبادرات الشباب التطوعية وتقدير جهود الناشطين في مجال البيئة، وتسليط الضوء على المشاريع الخضراء القائمة في القطاعات المختلفة لتحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية. 

د. أسماء بنت عبدالكريم الحقيل

أستاذ فسيولوجيا النبات الجزيئية المشارك

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA