الشباب والبحث العلمي

زاوية: شبابنا

البحث العلمي هو أسلوب منظم في جمع المعلومات الموثوقة وتدوين الملاحظات والتحليل الموضوعي باتباع أساليب ومناهج علمية محددة، بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها أو إضافة الجديد لها، والتوصل إلى بعض القوانين والنظريات والتنبؤ بحدوث الظواهر والتحكم في أسبابها، فالبحث العلمي يهدف إلى المعرفة، والمنهج العلمي يسعى للتحقق من صدق ودقة تلك المعرفة «مثال بسيط: البحث العلمي كقيادة السيارة، والمنهج العلمي هو أنظمة وقوانيين المرور».

إن المجتمعات في الدول المتقدمة لم تصل إلى ما وصلت إليه من قوة ورفاهية اجتماعية صدفة، وإنما بدعم المؤسسات البحثية العلمية ماديًا ومعنويًا؛ فوفقاً للتقرير السنوي الذي تصدره مجلة «باتيل» المتخصصة بلغ الإنفاق العالمي على البحث والتطوير في عام 2014م، نحو 1.6 تريليون دولار، أي ما يشكِّل «1.8٪» من الناتج العالمي البالغ 88.733 تريليون دولار.

وتتصدَّر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على البحث العلمي بمبلغ 465 مليار دولار، أي ما يشكِّل «2.8٪» من ناتجها المحلي، تليها الصين في المركز الثاني بمبلغ 284 مليار دولار ونسبة «2٪»، ثم اليابان بمبلغ 165 مليار دولار، ثم ألمانيا بمبلغ 92 مليار دولار، بينما تنظر المجتمعات العربية والنامية نظرة سلبية إلى البحث العلمي، وربما يرجع ذلك للتنشئة الاجتماعية التي جعلت من الشعوب العربية والنامية غير مدركة لخطورة تدهور البحث العلمي، وتأخرهم عن ركب الحضارة. 

إن نظم التعليم في البلدان العربية لا تهيئ الطلاب عموماً كما يجب لسوق العمل، ولا يزال التعليم يعتمد منهجيات تقليدية، والاهتمام بالبحث العلمي دون المستوى المطلوب، ونسبة الإنفاق عليه ضعيفة جداً؛ إذ تشير التقارير الصادرة عن منظمة اليونسكو للعلوم والثقافة في العام 2010م إلى أن الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي مجتمعاً لا يتجاوز «0.23٪» من الموازنة العامة.

إلا أن هذا الوضع تحسن في الفترة الأخيرة، وخاصة في المملكة العربية السعودية، حيث بلغ إجمالي الإنفاق على البحث العلمي في المملكة خلال العام 2015م، نحو 1.8 مليار دولار، في الوقت الذي يقدَّر فيه حجم إنفاق الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي بنحو 5.31 مليار دولار. 

الغريب أن الدول العربية لديها ثروات طبيعية غنية، ولكن يبدو أن الشعوب العربية مشغولة بالحروب والصراعات فيما بينها، وتركت العلم وإنتاج المعرفة لغيرهم، وألقت مسؤولية تخلفها على الآخرين، وهذا الوضع الصعب في العالم العربي جعل الشباب اليوم في حيرة من أمره، ويسأل نفسه: هل التعليم والبحث العلمي هو المستقبل المشرق؟ أم الاتجاه نحو عالم الشهرة أو التجارة هو الطريق الصحيح؟!

إن من أخطر الأمراض الاجتماعية، وأحد أضلاع ثالوث التخلف في المجتمع هو الجهل، ولتغيير هذا الواقع والتخلف، علينا أولاً تحديد موقع الخلل بدعم مؤسسات البحث العلمي، ثانياً الثقة بالشباب وقدرتهم على إنتاج المعرفة، ثالثاً على الشباب الجامعي تحديداً تغيير نمط حياتهم وتفكيرهم، وأن يعلموا أن طريق العلم والمعرفة ليس سهلاً ولا صعباً؛ وإنما من خلال معادلة صحية سهلة، ولكنها تحتاج إلى إرادة وعزيمة «غذاء صحي + ممارسة نشاط بدني + أخذ قسط كافٍ من نوم ليلاً والابتعاد عن السهر = القدرة على العلم والبحث وإنتاج المعرفة»، وإلى اللقاء.

د. علي بن أحمد السالم

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA