الشباب والابتعاث

زاوية: شبابنا

الابتعاث مشروع تنموي تعليمي يهدف إلى دفع مسيرة التعليم، وارتفاع معيار الكفاءات العلمية، وتطور سوق العمل، وتعدد فرص الاستثمار التي يقودها جيل جديد من الشباب بعقليات جمعت في جعبتها تجارب وخبرات الشعوب والحضارات الأخرى.

وقد بدأ الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى بإرسال الطلبة السعوديين للدراسة في الخارج على حساب الدولة عام 1346هـ، أي بعد ثلاث سنوات فقط من دخوله مكة المكرمة، وهذا يعني أن الابتعاث قد بدأ في وقت مبكر؛ فكانت بداية ابتعاث الطلاب إلى مصر لاستكمال دراستهم الجامعية، وفي المرحلة الثانية عام 1373هـ كان الابتعاث إلى أمريكا.

واستمرت سلسلة البعثات العلمية حتى الوصول إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وهو برنامج أطلقه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله تعالى، ليكون رافداً مهماً لدعم الجامعات السعودية، والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المتميزة من أبناء الوطن السعوديين، وليقوم بتنمية الموارد البشرية السعودية، وإعدادها، وتأهيلها بشكل فاعل؛ لتصبح منافساً عالمياً في سوق العمل، ومجالات البحث العلمي.

وهذا البرنامج له اثنتا عشرة مرحلة كانت المرحلة الأولى عام 1426هـ، والمرحلة الثانية عشرة بدأت عام 1437هـ. 

إن أهميّة البعثات العلمية الخارجية لا تكمن في مواكبة التقدّم والتطوّر في أساليب التعليم في أرقى الجامعات العالمية فقط، وإنما في ربط هؤلاء الطلبة بسوق العمل في المملكة وحاجات التنمية في المجتمع، وتوطين المعرفة، خاصة في بعض التخصّصات النوعية الدقيقة؛ كالعلوم الطبية والوراثة وعلم الجينات والعلوم الهندسية وعلوم البيئة والفلك ونظم المعلومات والكمبيوتر والعلوم المالية والمصرفية والعلوم.

ولاشك أن البعثات العلمية لها أهمية بالغة في تطور الشعوب، والتراث العلمي أو الديني أو الإبداعي ليس ملكاً لصاحبه أو لدولة بعينها بل للإنسانية جمعاء، ولكن السؤال: هل حقق الابتعاث الخارجي في المجتمع السعودي أهدافه بالرغم من تاريخه الطويل!

يقول المفكر العربي الجزائري مالك بن نبي «الفارق العظيم بين الصلة التي ربطت اليابان بالحضارة الغربية وبين صلتنا بها، أن اليابان وقفت من الحضارة الغربية موقف التلميذ الذي يريد التفوق على معلمه، ووقفنا منها موقف الزبون، إنها تستورد منها الأفكار خاصة ونحن نستورد منها الأشياء خاصّة، إنها كانت خلال سنوات 1868 – 1905م تنشئ حضارة، وكنا نشتري بضاعة حضارة».

إن نقل العلوم العصرية وتوطين التقنية الغربية لا يعني أن يتخلى الشباب السعودي عن الهوية العربية الإسلامية، بل عليه أن يحصن نفسه من مخاطر السقوط في دائرة التغريب الذي يفضي إلى تبعية لا انفكاك منها للغرب.

اليابان على سبيل المثال بعدما أنجزت الخطوة الأولى لنقل العلوم العصرية وتوطين التقنية الغربية، سارع الإمبراطور الياباني «مايجي» إلى إصدار قرار آخر يحصّن تجربة التحديث اليابانية، فأطلق شعاره الشهير «التكنولوجيا غربيّة أمّا الروح فيابانيّة».

وكانت تلك المحاولة تهدف إلى تلافي سلبيّات نقل التكنولوجيا ومضارها الكثيرة على التقاليد الموروثة التي يفتخر بها اليابانيون ويعتبرونها من أبرز خصوصيّات مجتمعهم، فنجحوا في بناء نهضة جديدة تجمع بين الحداثة والمعاصرة بشكل عجزت عنه الدول الأوروبيّة والأميركيّة نفسها، وتحوّلت التجربة اليابانيّة في التحديث إلى نموذج يحتذى لدول النمور الآسيويّة، وإلى اللقاء.

د. علي بن أحمد السالم

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA