الذكاء الانفعالي قدرة عقلية أم سمة شخصية؟

يُحكى أن فارسا تحدى راهباً؛ ليشرح له ما الجنة وما النار، فأجابه الراهب: إنك غير جدير بوقتي؛ ولذا لن أضيعه معك أو مع أمثالك. فصرخ الفارس وسحب سيفه وانقض على الراهب  قائلا له: سأقتلك على هذه الإهانة. أجاب الراهب بهدوء وهو ينظر إليه: هذه هي النار. فاجتاحت الفارس حالة من الذهول، ثم انحنى معتذراً أمام الراهب. فرد عليه الراهب قائلاً:  هذه هى الجنة.

مغزى هذه القصة هو القدرة على التنبه بين اللحظتين، عندما نتصور الفرق الحاسم بين الانفعال وضبط الانفعال، وهذا الوعي هو أساس ما يعرف بالذكاء الانفعالي، وقد ظهر هذا المصطلح بقوة واجتذب هواة علم النفس قبل الباحثين، حيث كانت له جذوره التاريخية منذ ظهور مصطلح الذكاء، وأشار الباحثون وقتها بوجود جوانب غير معرفية  للذكاء، وأدرجت  فيما بعد تحت عدة عوامل فرعية للذكاء العام، وأطلقت على هذا النوع  الذكاء الاجتماعي والذكاء الشخصي.

ربما جاء مصطلح الذكاء الانفعالي كرد فعل؛ خوفاً من سيطرة المدرسة المعرفية واهتمامها بالقدرات العقلية على حساب جوانب أخرى، ولذلك سعى البعض لتطويع المفهوم من وجهة نظره طبقًا لتوجهاته النظرية، أو لما يخدم مصالحه الشخصية.

إن الذكاء الانفعالي في مفهومه العام مجموعة من القدرات والسمات ترجع إلى قدرة الفرد على التعامل مع الانفعالات والعواطف، سواء الغضب والإحباط والقلق والخوف والحزن والسعادة، سواء الذاتية أو المتعلقة بالآخرين، فقد وجد أن التفوق والإنجاز الأكاديمي ليس بالضرورة أن يكون مصاحباً لقدرة الفرد على فهم انفعالاته وانفعالات الآخرين، فالوعى بالذات يعد أساس الاستبصار النفسي، فمعظم حياتنا الوجدانية لا شعورية؛ ولذا نلاحظ أن المشاعر التى تعتمل بداخلنا لم تصل إلى عتبة الشعور في معظم الأحيان.

إن الإنسان يمكن أن يحب ويكره أشخاصًا لم يرهم من قبل أو يدرك أنه قد رآهم، وهذا يدعم لا شعورية الحالة الانفعالية، وهنا نلاحظ أن البداية الفسيولوجية التى تسبق الوعي بالموقف  لها دورها في توجيهنا، فحينما نلاحظ مثيرًا يبعث على الخوف فإننا نشعر بالتعرق؛ تعبيرًا عن هذا القلق بالرغم من عدم وجود المثير الفعلى للخوف، فالبعض قد يصاب بالذعر لرؤيته صورة ثعبان، بالرغم من أنه لم يشاهده بشكل حقيقي، فالعواطف والانفعالات في مرحلة ما تحت العتبة الحسية للوعي يكون لها تأثير على سلوكنا بالرغم من عدم وعينا بها.

لذلك نلاحظ أن القمع العاطفي –غالبًا- ما يؤدي بنا إلى عواطف خرساء، نفقد من خلالها الاتزان الانفعالي، فقدرتنا على إدارة الذات وقت الانفعال يعد مهارة وسمة شخصية، فالمشكلة لا تكمن في الانفعالات اليومية التى تزول بزوال المسبب ولكن إذا تجاوزت هذه الانفعالات الحد يحدث ما يسمى بالعجز المعرفي، وهنا لابد أن نكون على وعي بحقيقة الأفكار والمشاعر، فإذا كانت أفكارنا تمثل النار فإن عواطفنا تمثل الدخان المنبعث منها، وبإمكاننا أن نتركه حتى يتلاشي في الفضاء، أو نتركه يغمرنا فنختنق، وهذا ما أشار إليه علماء الأعصاب، فالمخ لا يسجل المعلومات فحسب ولكن يسجل المشاعر والعواطف والانفعالات، والتى تسجل في اللوزة المخية التى تقع بالدماغ  ويطلق عليها «الاميجدالا»، وتعتبر هي المرجعية النفسية لتصرفاتنا  وهي المسؤولة عن استقبال كل الرسائل العاطفية والانفعالية وتتكامل وظيفتها مع باقي وظائف المخ، فعند الغضب تستثار هذه اللوزة ونرتكب أفعالا نتمنى أن لا نقوم بها خصوصاً بعد أن نفكر بهدوء ويقوم العقل بتحليل هذه الرسائل الانفعالية، فغالبًا ما تؤثر حالتنا النفسية في اتخاذ القرار، فالأصل فيها هو مقاومة الاندفاعات وقت حدوثها. 

ويتميز الأفراد ذوو الذكاء الانفعالي بعدة سمات، هي الثقة بالنفس، وتتضمن حسن التصرف في المواقف، وحب الاستطلاع والذي يعتبر شيئاً إيجابياً باكتشاف الأشياء التي تشعر النفس بالسرور، والرغبة بأن يكون الفرد مؤثرًا ولديه فعالية أكثر، والقدرة على الضبط الداخلي للانفعال وتكوين علاقات إيجابية تسهم في فهم الآخر، والتوازن بين احتياجات الفرد الشخصية واحتياجات الآخرين. 

وما يزال الخلاف قائماً بين الباحثين فيما إذا كان الذكاء الانفعالي قدرة عقلية يمكن قياسها من خلال اختبارات سيكومترية، أم سمة شخصية تعكس ميول وتفضيلات الأفراد، حيث تظل هناك إشكالية في كيفية قياس هذا النوع من الذكاء، فنجد أن اختبارات القدرات العقلية تستلزم إجابة واحدة، ولكن في اختبار الذكاء الانفعالي ليس هناك اختيار لإجابة صحيحة مطلقة من بين الإجابات المقدمة على اختبارات هذا النوع، ولكن يتم اختيار الأنسب من بين عدة بدائل، وهنا تكمن المشكلة في تحديد ما هي الإجابة الأنسب للموقف الانفعالي.

د. عمرو عبدالمنعم حويلة 

السنة الأولى المشتركة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA