الشباب والصيف والفراغ

زاوية: شبابنا

على مدار العام، وحين تكون الإجازة الصيفية على الأبواب، يحتاج الجميع إلى دراسة واعية لمشكلة وقت الفراغ، والحقيقة الواضحة أنه ليست هناك مشكلة وقت فراغ طالما لم يكن فى القلب فراغ، والدليل على ذلك واضح، فحينما كان الطلاب على سبيل المثال فى دوامة الاستذكار فى العام الدراسى لم يشعروا بوقت فراغ، بل كانوا يحتاجون إلى مزيد من الوقت، والسبب هو انشغال القلب بهدف النجاح والتفوق، وانشغال الذهن بمسؤوليات الاستذكار، فلم يعد هناك فراغ.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ» سورة الشرح، حيث يأمر الله جل وعلا في هاتين الآيتين نبيه صلى الله عليه وسلم إذا انتهى من طاعة أو عمل ما أن ينصب ويبدأ في عمل أو طاعة أخرى، وأن يرغب إلى ربه في الدعاء والعبادة، والتضرع والتبتل، لأن حياة المسلم الحق كلها لله، فليس فيها مجال لسفاسف الأمور.

إن من أبرز الانتقادات التي توجه إلى برامج الأنشطة في الصيف عدم وضوح أهدافها، وتكرارها، والتكرار في ذاته كفيل بإيجاد الملل، ومن ثم الانصراف عن تلك الأنشطة والعودة إلى الفراغ، وهناك من يجادل؛ بأن هذه الأنشطة مهما كان مستوى برامجها يكفيها أنها تقضي على وقت الفراغ خلال فترة الصيف، وهذا غير صحيح؛ لأن القضاء على الفراغ ليس هدفاً في حد ذاته أو ليس الهدف النهائي على الأقل. 

ماذا لو اتجهت الأنشطة خلال فترة الصيف إلى إشباع حاجات الشباب الفعلية وتحقيق المهارات التي يعاني الشباب من نقصها في دراستهم؟ ماذا لو اتجهت هذه البرامج إلى إعداد دورات قصيرة من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع؟ يتم خلالها تقديم برامج وأنشطة بشكل متميز. 

قد يظن البعض أن مثل هذه الدورات، تتعارض مع الإجازة الصيفية التي اعتاد الشباب على اللهو فيها، وهذا في واقع الأمر نتيجة للتعود على هذا الأسلوب، الذي استمر طويلاً لدى الشباب، وإذا ما خطط لإزالة هذا التصور غير الصحي، وبدأ التطبيق، وشعر الشباب بفائدته والفروق الواضحة بينهم أثناء العام الدراسي نتيجة للتفاوت في المهارات المكتسبة؛ فإن النظرة إلى الإجازة، سوف تتحول إلى شيء من الجدية مع مرور الوقت.

إن مراكز خدمة المجتمع في جامعاتنا السعودية مؤهلة للقيام بهذا الدور، وكذلك المراكز الصيفية المنتشرة في أرجاء الوطن، بشرط أن تتبدل المنطلقات والأهداف التي اعتاد منظمو الأنشطة، أن ينطلقوا منها، ويهدفوا إلى تحقيقها.

إن فكرة أن «الإجازة كسل وخمول ولهو» ينبغي أن تزال، ويحل محلها أن الشباب في حاجة ماسة إلى استغلال إجازة الصيف لتنمية مهاراتهم ببرامج تلبي طموحاتهم وتطلعاتهم، وتملأ وقت الفراغ لديهم، فهل ذلك ممكن!

وأخيراً، المؤمن يبقى شاباً إلى أن يموت، ولو مات في التسعين، وسر شبابه أن هدفه كبير، أكبر من وقته، لذلك انشغاله بالتقرب إلى الله عز وجل يجعله شاباً حتى في التسعين، والذي خلا قلبه من رسالة، ومن هدف نبيل، يغدو شيخاً فانياً حتى في العشرين، فحينما تملك رسالة يا أيها الشاب، وتملك هدفاً سامياً، ويكون الهدف أكبر من طموحاتك المادية، تغدو شاباً إلى آخر أيام حياتك، وإلى اللقاء. 

د. علي بن أحمد السالم 

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA