نظرية العمران عند ابن خلدون

لقيت نظرية العمران لابن خلدون الكثير من العناية من قبل الدارسين على مستوى العالم المتحضر خلال القرنين الأخيرين، سواء على طاق القبول أو المعارضة، ولكن الحقيقة التي لا شك فيها أن أحدًا قبل ابن خلدون سواء من علماء المسلمين أو غير المسلمين لم يعرض لدراسة الظواهر الاجتماعية دراسة تحليلية أدت إلى نتائج ومقررات مثل التي أدت إليها دراسة ابن خلدون.
ويمكن تلخيص نظرية ابن خلدون في العمران في العناصر الآتية:
* التاريخ خبر: التاريخ خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو العمران البشري، ومن ثم فإن تنقيته من الزيف، وتصويب أحداثه يشكلان المنطلق الأول لتصور العمران البشري، ولذلك فقد وضع ابن خلدون منهجًا لكتابة التاريخ ولتصحيح أحداث التاريخ وأخباره.
* الإنسان مدني بالطبع: ومن ثم كان لا بد من أن يصنع مجتمعًا يجري في نطاقه التعاون على إنتاج القوت الذي يهيئ له العيش والأدوات التي تهيئ له أسباب الدفاع عن حياته.
* أصل العمران: العمران البدوي أصل العمران الحضري، ولكل من المجتمعين ألوان من العادات والسلوك وأنماط في الحياة تفرضها طبيعة كل منهما، وهي في المجتمع الحضري أكثر قابلية للتطور الذي يؤدي إلى قمة العمران، ثم ما يتبع ذلك من تقلص وانحسار في أحقاب زمنية متلاحقة متكررة تكاد تكون قانونًا ثابتًا.
* العمران والصنائع: لا يتم العمران ويرقى إلا بوجود الصنائع متمثلة في الفلاحة والصناعة والتجارة، فعليها جميعًا يتوقف رخاء المجتمع ورفاهيته، وكلما ارتقت الصناعة وراجت التجارة وعم الرخاء وانتعش الاقتصاد، كان لذلك أثره في رفاهية المجتمع البشري ورقيه وبلوغه مراحل الترف والنعيم.
* العلم والتعليم: العلم والتعليم أمران أساسيان في العمران مرتبطان به إيجابًا وسلبًا، فحيث يزدهر العمران يتطور العلم، فإذا لم يتوفر العلم في المجتمع صارت الرحلة في طلبه أمرًا ضروريًا، ومن ثم فحيث يزدهر العلم يرقى العمران، والعكس صحيح.
* مواقع المدن: حسن اختيار مواقع المدن والأمصار ضروري لاستدامة العمران؛ وذلك من حيث المنعة، وسهولة الدفاع عنها، ومن حيث توفر الخيرات وكثرة الأرزاق كالقرب من الماء العذب، وضمان المراعي للسائمة ومراعاة وجود المزارع حولها لتزويدها بأنواع الطعام.
* إعمار الدول: للعمران في نطاق الدولة مرحلة تألق وازدهار تكون قمته في الجيل الثاني، ومن ثم يكون العمران البشري بكل مكوناته الأساسية والجزئية مرتبطًا بحركة الكائن الحي الذي هو الإنسان، في تطوره من حيث المولد والنمو والارتقاء والضعف والانحلال والزوال.
إن ابن خلدون يلخص هذه النقطة الأخيرة التي تشكل وحدها نظرية عنده، وتشكل قانونًا عند المعنيين بفكره في هذه الكلمات: إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، وإنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول.

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA