وقت الفراغ سر الإبداع

آفاق أكاديمية

لا ينكر أحد أننا نعيش في زمن يكاد يكون خالياً من أوقات الفراغ، وبالتالي فهو خالٍ من الإبداع من وجهة نظري، بسبب كثرة وسائل الاتصال وانشغال عقولنا بها طوال الوقت، فقد انتشرت الهواتف الذكية انتشارًا خطف منا أثمن ما نملك وهو:الوقت!

 وأصبحت تلك الأجهزة هي الوسيلة الوحيدة تقريباً للتسلية والتواصل مع الآخرين، أو ملء وقت الفراغ والحصول على أية معلومات نريدها أينما كنا ووقتما نريد، وكما أن أجهزتنا الذكية أصبحت لا تستريح فكذلك عقولنا، سوى في تلك السويعات التي نضطر فيها للنوم لنعيد شحن أجسامنا وعقولنا من جديد!

وقت الفراغ هو الوقت الذي من المفترض أن تستريح عقولنا فيه وتقوم بربط النقاط والأفكار بعضها ببعض، وهو جزء أساسي من العملية الإبداعية، ففي اللحظة التي تصل فيها إلى الصفاء الذهني والتأمل قد تصلك إجابة لسؤال ما أو حل لمشكلة أيقظتك ليالٍ عديدة، وهي لحظة لا تقدر بثمن، فدماغك لا يكون في حالته الأكثر نشاطًا عندما تركز في عملك أو أداء مهمة، بل أظهرت الدراسات أن دماغك يكون أكثر نشاطًا عندما تترك مقوده وتدعه يجول في الأرجاء بلا حواجز أو قيود.

المشكلة أن الطريقة التي نتعامل بها مع أجهزتنا اليوم لا تسمح لنا بالحصول على تلك اللحظة من الصفاء الذهني والتأمل والانقطاع عن العالم، لهذا لابد أن نعقد العزم ونتأكد من حصول أدمغتنا على بعض المساحة لتتجول فيها وتربط النقط وتكوّن الأفكار بعيدًا عن صخب التكنولوجيا، وخصوصاً بالنسبة لطلاب الجامعات والمعاهد والأشخاص الذين يعملون في مجالات تتطلب الإبداع، وفي زمننا هذا هم كثر.

وللإجابة على التساؤل الذي يتردد في أذهان العديد منا الآن: إذا كانت كل أوقات فراغنا على «الجوال» وغيرها من الأجهزة لا تعد أوقات فراغ، فكيف نوفر وقت الفراغ؟ كيف نسيطر على أوقاتنا؟ وكيف نأخذ بزمام يومنا ونوجهه إلى الطريق المناسب للإبداع؟

ولعلنا نتجاوز البكائيات ووصف الحال إلى فتح نوافذ إيجابية للحلول..

فهناك بعض الخطوات لجلب مزيد من أوقات الفراغ واستثمارها في توليد الأفكار وزيادة الإبداع؛ سلط العدسة على يومك، تفحصه جيدًا للعثور على الأوقات التي تستطيع الانقطاع فيها عن جميع أجهزتك الإلكترونية، أي أوقات غير مضطر فيها لاستخدام هاتفك أو تصفح بريدك، وفيما يلي عينة من الأوقات المناسبة: 

في  أوقات الغداء، الوقوف في الصفوف، أثناء الذهاب والعودة من العمل، دورات المياه، أثناء انتظار صديق أو ميعاد، والساعة السابقة للذهاب إلى السرير للنوم.

بمجرد معرفتك بالأوقات التي يمكن أن تكون أوقات فراغ، قم بعقد النية للابتعاد عن هاتفك، جهازك اللوحي، حاسوبك المحمول تمامًا، ودع نفسك تستمتع بشعور الانقطاع، دع عقلك يسبح ويتجول في الأنحاء لا تحكمه وتعزله وتقيده بشاشة.

احتفظ بدفتر صغير وقلم معك دائمًا أو استخدم هاتفك لتدوين الملاحظات، ولكن ابق على حذر فقدو تجد نفسك تنزلق إلى عالم التواصل الاجتماعي واللهو الفارغ دون أن تشعر، إذا اخترت أن تستخدم هذه الطريقة قم بعقد النية على كتابة الملاحظة وإغلاق الهاتف مباشرة، والآن أنت مهيأ لاستغلال وقتك بطريقة صحيحة فعالة، لتكون مبدعًا في عالم قل فيه المبدعون، وتذكر عقلك ليس هاتفك، أنت في حاجة للانقطاع عن العالم بعض الوقت لتريحه من أجل القدرة على الاستمرار.

د. عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA