الدرس الذي تعلمه «بيل غيتس» من صبي

من المناسب في مطلع مقالي أن أبدأ بهذه الحكمة الجميلة: «أجمل العقول تلك التي أيقنت أن جمال الحياة لا يمكن رؤيته إلا بعيون القلب».

نعم، فما تراه جميلاً في هذه الحياة بصفاء قلبك، ونقاء سريرتك، قد يراه غيرك قبيحًا بسوء ظنه، وإساءة فهمه لمن حوله! وهذه علامة فارقة في حياة الناس، وإن كانت المظاهر تظهر خلاف ذلك؛ فكم من صاحب نعمة غني ميسور محسود لما تظهر عليه من آثار الرفاهية والراحة، وهو في الحقيقة لم يجد طعمًا للراحة، يحمل بين جوانحه همًا وغمًا، يعيش بضيق وقلق، وفي مقابل هذا نجد من الناس من ضاق عليه رزقه، لا يكاد يجد قوت يومه، ومع ذلك يعيش سعيدًا مطمئنًا.

قد لا تفي كلماتي بالتعبير عن مقصودي، وإذا قصُر التعبير عن بلوغ المراد، فهذا «بيل غيتس» يحكي موقفًا له يغني عن البيان، وكثرة الكلام. 

سُئل «بيل غيتس»: هل يوجد من هو أغنى منك؟ فأجاب: نعم. شخص واحد فقط. سألوه: من هو؟! قال: منذ سنوات، وبعدما تخرجت كانت لدي أفكار لطرح مشروع المايكروسوفت، وقتها كنت في مطار نيويورك، وقبل الرحلة وقع نظري على المجلات والجرائد، فأعجبني عنوان إحدى الجرائد، فأدخلت يدي في جيبي؛ كي أشتري الجريدة، إلا أنه لم يكن لدي نقود من فئة العملات الصغيرة فلما هممتُ بالانصراف، لمحت ببصري بائع الجرائد وهو صبي أسود، وعندما شاهد اهتمامي ورغبتي لاقتناء الجريدة قال: تفضل هذه الجريدة لك خذها يا أخي. قلت: لكن ليس لدي قيمتها من فئة العملات الصغيرة! قال: خذها، فأنا أهديها لك من غير ثمن.

وأضاف: بعد ثلاثة أشهر، وافق أن رحلتي كانت في نفس المطار، ومن نفس الصالة، وحينها وقعت عيناي على مجلة، أدخلتُ يدي في جيبي، لم أجد أيضاً نقوداً من فئة العملات الصغيرة، وإذا الصبي نفسه، يقول لي: خذ هذه المجلة لك.

قلت: يا أخي قبل فترة كنت هنا أهديتني جريدة، هل تتعامل هكذا مع كل شخص يصادفك في هذا الموقف؟! قال: لا. ولكن عندما أرغب أن أعطي، فأنا أعطي من مالي الخاص.

كانت هذه الجملة، ونظرات هذا الصبي بقيت محفورة في ذاكرتي، وكنت أفكر، وأقول: يا ترى على أي أساس وأيّ إحساس يقول هذا.

بعد 19 سنة، وعندما وصلتُ إلى أوج قدراتي المالية والمعنوية، قررتُ أن أبحث عن هذا الصبي؛ كي أرد له الجميل، وأعوضه، شكلتُ فريق بحث، وقلت لهم: اذهبوا إلى المطار الفلاني، وابحثوا لي عن الصبي الأسود الذي كان يبيع الجرائد.

بعد شهر ونصف من البحث والتحقيق والتحري وجدوا أنه شخص أسود، وقد تحول إلى حارس صالة المسرح، الخلاصة تمت دعوته إلى مكتبي وسألته هل تعرفني؟! قال: نعم، السيد بيل جيتس المعروف، كل العالم يعرفك. قلت له: قبل سنوات عندما كنتَ صبياً صغيراً وتبيع الجرائد أهديتني جريدة مجانية مرتين، حيث لم يتوفر لدي نقود من الفئات الصغيرة، لماذا فعلت ذلك معي؟! قال: هذا شيء طبيعي؛ لأن هذا هو إحساسي وحالتي. قلت له: هل تعلم ما أريده منك الآن؟! أريد أن أرد لك جميلك. قال: كيف؟! قلت: سأعطيك أي شيء تريده. قال الشاب الأسود وهو يضحك: أيّ شيء أريده؟! قلت: نعم، أيّ شيء تطلبه. قال: هل هذا حقيقي؛ أيّ شيء أطلبه؟! قلت: نعم، أي شيء تطلبه أعطيك إياه، لقد أعطيتُ قرضاً لخمسين دولة أفريقية، سأعطيك بمقدار ما أعطيتهم كلهم.

عندها قال الشاب: يا سيد بيل غيتس، لا يمكنك أن تعوضني كما تقول. قلت: ماذا تقصد كيف لا يمكنني أن أعوضك؟! قال: صحيح أن لديك القدرة لتفعل ذلك، ولكن لا تستطيع أن تعوضني! سألته متعجباً: لماذا لا أستطيعُ تعويضك؟! قال: الفرق بيني وبينك أنني أعطيتك وأنا في أوج فقري، وأنت تريد أن تعوضني وأنت في أوج غنائك، وهذا موقف تشكر عليه، ولن يستطيع أن يعوضني شيئاً، إنما لطفك يغمرني بالتأكيد!

يقول بيل غيتس: لم أشعر يوماً أن ثمة من هو أغنى مني سوى هذا الشاب الأسود.

ومضة: «ليس عليك أن ترد الجميل دائماً، ولكن كن أرقى من أن تنكره».

د. فهد عبدالقادر الهتار

خريج جامعة الملك سعود- كلية التربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA