النشاط البدني وصحة المجتمع

زاوية: زاوية رؤية اجتماعية

لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات الإنسانية من شكل من أشكال النشاط البدني، بغض النظر عن درجة تقدم أو تخلف هذا المجتمع، وقد عرف الإنسان النشاط البدني عبر عصوره وحضاراته المختلفة، وإن تفاوتت توجهات كل حضارة بشأنه؛ فبعض الحضارات اهتمت بالنشاط البدني لاعتبارات عسكرية سواء كانت دفاعية أو توسعية، والبعض الآخر مارس النشاط البدني لشغل أوقات الفراغ وكشكل من أشكال الترويح والترفيه، والبعض اعتبره طريقة تربوية، في حين نظر إليه البعض من ناحية الآثار الصحية التي ارتبطت بالنشاط البدني منذ القدم.

وفي العصر الحديث يشهد العالم النامي، على غرار البلدان الصناعية، تقلصاً في النشاط البدني للإنسان، فتطور التقنية ووسائل الاتصال والنقل والترويح والخدمات العامة؛ أدى إلى نمط حياة خامل لدى جميع شرائح المجتمع وبمختلف فئاته العمرية، هذا النقص كان له انعكاسات سلبية على صحة أفراد المجتمع، حيث وصلت نسبة الخمول البدني بين سكان العالم إلى حوالي 60٪، وله دور مؤثر في حدوث معظم الأمراض المعاصرة كأمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري والسُمنة والجهاز الهضمي والمفاصل وبعض أنواع السرطان. 

وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن حوالي 31٪ من البالغين في عمر 15 سنة فأكثر يمارسون نشاطاً بدنياً غير كافٍ في عام 2008 بنسبة 28٪ للرجال، و34٪ للنساء. كما أن هناك تفاوتاً واضحاً بين أقاليم دول العالم، فأعلى معدل انتشار للنشاط البدني غير الكافي كان في إقليم الأمريكتين بنسبة 50٪ للنساء، و40٪ للرجال، وفي إقليم شرق المتوسط بنسبة 36٪، وجاء إقليم جنوب شرق آسيا أقل النسب المئوية 15٪ للرجال، و19٪ للنساء.

وقد أرجعت منظمة الصحة العالمية أهم أسباب نقص النشاط البدني في دول العالم إلى قلة ممارسته أثناء وقت الفراغ، وزيادة السلوك الخالي من الحركة خلال الأنشطة المهنية والمنزلية، واستخدام وسائط النقل غير الفاعلة، وتزايد التحضر كحركة المرور عالية الكثافة، وانخفاض جودة الهواء «التلوث»، ونقص الحدائق والأرصفة والمرافق الرياضية والترفيهية.

لا شك أن النقص الذي حدث في النشاط البدني خلال العقود القليلة الماضية قد أثر على صحة أفراد المجتمع بمختلف دول العالم، بخلاف جيل الأجداد الذي عاش فترة طويلة من الزمن حياة قوامها الحركة والنشاط داخل وخارج المنزل، فرضتها عليهم الظروف الحياتية والبيئية المحيطة بهم، فالعمل البدني الشاق كالزراعة، ورعي المواشي، والنجارة، وخياطة الملابس، وغيرها من الأعمال التي تتطلب جهداً بدنياً عالياً كان نمط الحياة السائدة والمتعاد آنذاك، فكانت أجسامهم أقرب إلى الصحة المثالية خالية من الأمراض المزمنة.

واليوم تبدو الحاجة ماسة إلى مزيد من البحث والتقصي حول هذا الموضوع المهم، ولا يعني ذلك قصوراً بالدراسات والأبحاث السابقة التي أجريت، ولكن بالنظر إليها نجد أن معظمها ركزت على العوامل الطبية البحتة؛ في حين أن الدراسات التي تطرقت إليه من منظور اجتماعي إنثروبولوجي لم تلق الاهتمام الكافي، وخاصة على المستوى المحلي والعربي، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.

د. علي بن أحمد السالم

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA