صامولي!

زاوية: آفاق أكاديمية

هناك جدل قديم بين علماء الاجتماع والإعلام حول سبب انتشار الذوق الهابط في المجتمع، هل هي وسائل الإعلام بإنتاجها الهزيل والسطحي ولهاثها وراء الربح المادي، أم أن وسائل الإعلام ما هي إلا مرآة صادقة عن واقع المجتمع بكل تفاصيله؟

أغنية جديدة ضربت الأرقام القياسية في المشاهدة، وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وحصدت ملايين المشاهدات والإعجابات، وجعلت من اليوتيوبر السعودي «دايلر» الذي لم يبلغ السادسة عشرة من عمره بعد؛ نجماً من نجوم الملتيميديا وصاحب أكثر من مليون متابع!

لقد فوجئت، عندما شاهدت تلك الأغنية على اليوتيوب مصادفةً، أنها حققت أكثر من 30 مليون مشاهدة، ثم اكتشفت أن العديد من الأطفال المحيطين بي في العائلة والحي يعيدون مشاهدتها عشرات المرات، ويرددون كلماتها «ذاك اليوم رايح البقالة، دقت عليّ الشغالة، قالت ماما كلام، جيب صامولي».

يبدو أن موجة الأغاني الهابطة وذات الكلمات التافهة بدأت تكتسح الوطن العربي، وتحقق شعبية وجمهوراً من المعجبين والمتابعين، وخصوصاً من الأطفال الذين تتوفر لديهم أجهزة ذكية ينتقلون من خلالها من قناة لأخرى بسهولة وبساطة، ويشاهدون ما يروق لهم، دون حاجز أو رقيب أو موجه.

أنا لا أعترض على رغبة الشباب في الظهور والشهرة، ولا اندفاع الأطفال والمراهقين لمتابعة النجوم، ولست حكماً أو ناقداً فنياً لأحكم على مثل تلك الأغاني، لكن الذوق العام والحرص على وقت وذائقة أبنائنا وبناتنا تدفعني لانتقاد تلك الأغنية، لخلوها من الأفكار والمعاني والقيم وحتى من النغم الجميل.

لا مانع عندي في أن يتصدر الشباب المشهد ويصبحوا نجوماً وأصحاب جماهيرية كبيرة، لكن أرجوكم احملوا فكراً، انشروا ثقافةً وقيماً، فقد أصبحتم نجوماً مسؤولين يتابعكم الملايين، وبإمكانكم نشر مواد وكلمات أجمل وأفضل وأكثر تعبيراً عن واقعنا ومجتمعنا وثقافتنا وبيئتنا وعاداتنا وتقاليدنا.

شئنا أم أبينا، فإن النجاح بات يقاس في عالمنا المعاصر بالأرقام وأعداد المشاهدات على اليوتيوب، والمجتمعات العربية بدأت تميل للأغاني الشعبية الهابطة لأسباب عديدة لا يسمح بها المقام هنا، وبات يوتيوب ينافس أهم المحطات الفضائية في سرعة الانتشار.

الخوف أن يصبح أمثالي محل سخرية في المستقبل القريب لعدم متابعتنا وسماعنا لمثل تلك الأغاني، ويبقى التساؤل وارداً ومشروعاً حول مدى صدق المشاهدات على الأخص في الوطن العربي، فأغنية «صامولي» حققت حتى كتابة هذه السطور أكثر من  32 مليون مشاهدة، أي أكثر من عدد سكان دولة بحجم المملكة!

عوداً على بدء، ويظل السؤال معلقاً: من هو المتسبب في حالة انهيار الذوق الفني – إذا صحت الإحصاءات - هل هو المجتمع أم وسائل الإعلام؟ لعل لدى القارئ إجابة!

د. عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA