قصر المربع تراث تليد ومَعلم باقٍ «3/2»

 

 

 

قصر المربع صرح معماري شامخ يحيط به سور خارجي يرتفع حوالي عشرين مترًا تعلوه أبراج حصينة بارزة وتكسو جدرانه طبقة من الملاط الأحمر اللون، أما الحائط الذي يعلو الباب الرئيسي للقصر فكان مزخرفًا بأشكال هندسية ومتوجًا بالشعار الملكي السعودي «السيفان المتقاطعان والنخلة»، وبداخل القصر توجد قاعة انتظار كبيرة يبلغ ارتفاعها سبعة أمتار تتوسطها ثلاثة صفوف من الأعمدة لحمل السقف، وهذه الأعمدة مكسوة بالجص، وفي أحد أركان القاعة يقوم موقد كبير مفتوح لعمل القهوة عليه أوانٍ نحاسية فوق فحم متوهج بصفة دائمة، كما توجد وسائد زاهية الألوان وبسط ومساند على امتداد جدران القاعة، حيث كان الضيوف يجلسون فيها انتظاراً لمقابلة الملك.

لقد خضع قصر المربع لتغييرات مستمرة ومتواترة خلال الستينيات الهجرية، إذ تكيف لاستخدامات إضافية أخرى فقد أضيف إليه قصر ضيافة واسع، وبنى ولي العهد «آنذاك» الأمير سعود بن عبدالعزيز قصرًا في الموقع ذاته، وقد لاحظ الهولندي «فان دير ميولن» الذي شاهد قصر المربع لأول مرة سنة 1364هـ ثم شاهده بعد سبع سنوات أن القسم القديم من قصر المربع لم يطرأ عليه أي تغيير ولكنه لاحظ أنه قد تم طلاء جداره الخارجي بطلاء أبيض «جص» وتم توسيع مدخله حتى يظهر أكثر فخامة في أعين الزائرين الذين يفدون إلى المملكة ويحلون ضيوفًا على الملك.

وفي عام 1357 تفرد أحد قصور المربع بمسمى «الديوان» وحظي بمكانة خاصة عند الملك عبدالعزيز، حيث كان كثيرًا ما يمارس فيه شؤون الحكم وتصريف أمور الدولة، ولقد زخر تاريخ هذا الديوان بعدد من الوقائع المشهودة والأحداث المهمة في تاريخ المملكة، فحظي بزيارة عدد من الزعماء العالميين، كما عاصر الديوان بعض الأحداث الكبيرة كإنشاء وزارة الدفاع وتأسيس الإذاعة السعودية وإنشاء المدارس النظامية، وإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي وإصدار العملة السعودية، ومن ديوان الملك عبدالعزيز صدر عدد من الأنظمة الإدارية كأنظمة البرق وجوازات السفر والطرق والمباني والتقاعد والغرف التجارية والعمل والعمال.

وقد بنيت مجموعة قصور المربع بما فيها الديوان في أشكال مربعة أو مستطيلة، تتكون من طابقين في الغالب أو من طابق واحد تبعاً للحاجة وطبيعة الاستخدام، وتم بناء قصور المربع بالمواد المحلية المتوفرة، فبنيت الجدران من اللبن واستخدمت الأحجار في بناء الأعمدة الحاملة للأسقف في المجالس الكبيرة والممرات المطلة على الفناء، واستخدم الأثل في سقف القصر وكذلك في صناعة الأبواب والنوافذ، ونظرًا لتأثر اللبن بالأمطار فقد زودت القصور بعدد كاف ٍمن الميازيب الطويلة لتصريف مياه الأمطار، بالإضافة إلى طلاء بعض الأجزاء الحساسة بالجص أو الأسمنت.

لقد كانت البساطة هي السمة السائدة في قصور المربع، وكانت الأغراض الوظيفية الأساس الوحيد الذي أكسب تلك القصور ملامحها وسماتها المميزة، فكانت الأشكال الجمالية والزخرفية في حدود ما هو معتاد وتسمح به الإمكانات والقدرات المتوفرة في تلك الفترة. 

ومن أبرز العناصر الإنشائية في قصور المربع الأعمدة الحاملة للسقوف، حيث يتكون العمود من عدد من الأحجار ذات الشكل الإسطواني المصمت والمثبتة فيما بينها بالجص يعلوها تاج مربع ترتكز عليه جذوع الأشجار المستخدمة في السقف، وأعطت الأعمدة نمطًا جماليًا مميزًا لمباني تلك الفترة، بالإضافة إلى وظيفتها الإنشائية، وزينت التشكيلات المثلثية البارزة جدران سترة السطح فضلاً عن فائدتها في التخفيف من أثر الأمطار على الجدران الطينية.

كما استخدمت الزخارف الهندسية التقليدية في تجميل غرف القصر من الداخل، حيث نقشت في الجص المغطى لعوارض الجدران في حين حملت عوارض السقف صفوفًا منتظمة من الخطوط الملونة بالأسود والأحمر والأزرق فوق خلفية من لون الخشب الطبيعي.

وعلى الرغم من أن مجمع المربع أنشئ لأغراض سكنية في المقام الأول إلا أن السور الذي يحيط بوحدات قصور المربع بأبراجه المتعددة أكسب مجمع المربع ملامح القصور المنتشرة في تلك الفترة، وقد بنيت أسوار مجمع المربع من اللبن المسلح بالأخشاب والحجر، حيث وصل ارتفاع السور إلى سبعة أمتار، وأعطى السور للمجمع أبعاده التي كانت تتراوح بين 300 متر و400 متر في شكل مستطيل تحول بعد إضافة بعض المباني إلى شكل مربع.

وقد دعم السور بأبراج مربعة الشكل وصل ارتفاعها إلى ضعف ارتفاع السور، وكان جزء من هذه الأبراج يبرز خارج خط السور وداخله، وقد وصل عدد هذه الأبراج إلى ستة عشر برجًا، كانت مساحة هذه الأبراج حوالي مائتي متر عند القاعدة، خصصت لسكن وحدات الشرطة والحرس الملكي.

يمثل ديوان الملك عبدالعزيز «قصر المربع القائم حاليًا» أهم عناصر مجمع المربع، نظرًا لوظيفته وما عاصره من أحداث وقرارات مهمة، فقد اتخذه الملك عبدالعزيز مقرًا لمزاولة أعماله المسائية لإدارة البلاد.

ويتضمن قصر المربع الخاص مجموعة كبيرة من الغرف والمكاتب موزعة على طابقين تشرف جميعها على فناء مربع واسع تحيط به، ولكل غرفة ومكتب مهمة خاصة محددة ظلت عليها حتى وفاة الملك عبدالعزيز، فهناك غرف لمجلس الملك الصيفي والشتوي، وأخرى لإدارة شؤونه الخاصة، وهناك مكاتب لحرس الملك الشخصي وحرس القصر وغرف للزوار وغرف النظر في قضايا الناس وأخرى للشؤون السياسية والاتصالات وغرف لكتّاب الملك والخويا، وغرف مخصصة لما يتطلبه القصر للتشغيل والاحتياجات، وبالنسبة لإضاءتها فقد كانت مزودة بمصابيح معلقة على جدران الغرف تعمل بالكيروسين، وذلك قبل توفر المصابيح الكهربائية التي تم استخدامها في السنوات الأخيرة من عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله.

أ. د. عبدالله بن محمد الشعلان

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA