التطوع ثروة يجب استثمارها وإدارتها

زاوية: جامعتي 2030

يمثل التطوع أحد الركائز التي تعتمد عليها الدول في مسيرة تطورها، وقد أشرت في المقالة السابقة إلى أن كثيراً من المجتمعات تحصد ثمار الجهود التطوعية التي تبذلها مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية، وأود هنا التأكيد على أن الجهود الفردية كذلك تمثل أحد المصادر المهمة، إلا أنني ربطت بينها وبين المؤسسات الأهلية فقط بغرض توضيح ما هو حكومي يتبع الدول؛ وما هو أهلي يسهم أفراد المجتمع في تأسيسه وإدارته.

كما أشارت المقالة إلى أن العمل التطوعي أصبح ثقافة راسخة في كثير من المجتمعات المتطورة، ثم تناولت أهم المداخل التي يستند عليها العمل التطوعي وتحوله إلى ثقافة مجتمعية، ومن خلال التفكير كثيراً في التجارب العالمية، وما عايشته بنفسي في المجتمعات الغربية رأيت كيف أصبح سلوك التطوع مظهراً حضارياً والتزاماً شخصياً من أفراد المجتمع.

دفعني هذا كله إلى طرح موضوع المقالة الحالية؛ وهو إذا كان التطوع بهذه الأهمية ويسهم في دفع حركة تطور المجتمعات إلى الأمام، إضافة إلى التخفيف من الأعباء البشرية والمادية التي تتحملها الدولة بهدف تقديم الخدمات خاصة الإنسانية منها إلى كل من يحتاج إليها؛ فهو إذن ثروة يجب استثمارها، وإن كانت كذلك فهي تحتاج إلى إدارة وتوجيه حتى تتحقق الفائدة المرجوة منها، بحيث يكون هناك توازن بين المتطوعين ومن هم في حاجة للاستفادة من جهود هؤلاء المتطوعين.

ومن التجارب التي أثارت اهتمامي هو أن المتطوعين «في مجال ما» يقومون بالتواصل مع الجمعيات المسؤولة عن التطوع، ويعرضون خدماتهم، والوقت الذي يمكن أن يقدموا فيه هذه الخدمات التطوعية، وعدد الساعات المناسبة، ويضع المتطوعين كافة التفاصيل الدقيقة لدى هذه الجمعيات، التي تتولى عملية تنسيق تقديم الخدمة التطوعية، وتعيد التواصل مع المتطوعين وتعرض عليهم عدة سيناريوهات لتقديم هذه الخدمة التطوعية، إضافة لمواعيد تتناسب وجدول أعمالهم، بما يضمن استمرار كل متطوع في تقديم خدماته التطوعية، ويضمن أيضاُ أن يقدم هذه الخدمات التطوعية بأريحية دون شعوره بأية ضغوط مما يسهم في تقديم خدمات تطوعية متميزة تسهم فعلاً في تطور المجتمع.

ولم تتوقف عملية إدارة أو تنسيق الجمعيات لعملية التطوع عند هذا الحد، بل إنها تتواصل مع الجهات المستفيدة وتتأكد من جودة الخدمة التطوعية التي قدمت لهم، ومن ثم توجه الشكر للمتطوع، كما أنها تحتفظ بقواعد بيانات دقيقة للتواصل مع المتطوعين في كثير من التخصصات، مما يتيح لها إمكانية إبلاغ المتطوعين بحاجة منطقة معينة أو شخص بعينه إلى متطوعين في مجال محدد، وخلال فترة زمنية محددة أيضاً.

إن سلوك التطوع وإن كان يتم طواعية من شخص ما أو مؤسسة ما، فلا شك أنه يحدث تغيرات إيجابية عديدة في المجتمع، ويسهم في مسيرة التطور التي تحتاج لتكاتف كافة الجهود الرسمية وغير الرسمية، إن سلوك التطوع بهذه الصورة ثروة مجتمعية خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فلماذا لا تنتبه مؤسساتنا إلى أهمية استثمار هذه الثروة وإدارتها، عن طريق إدارة جهود المتطوعين لزيادة النتائج المرجوة من التطوع، نسأل الله التوفيق لكل مؤسساتنا التطوعية، وأن يكلل كافة جهود المتطوعين لخير هذا الوطن.

أ. د. يوسف بن عبده عسيري

وكيل الجامعة للتخطيط والتطوير

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA