تجربة الفصل الدراسي المقلوب

زاوية: آفاق أكاديمية

ظهرت خلال العقدين الأخيرين عدة أفكار واتجاهات ونظريات واستراتيجيات تدعو للخروج من االإطار التقليدي للتعليم «أحادي الاتجاه» الذي يقوم فيه المحاضر بتلقين الطلاب الدروس ويقومون هم بالاستماع إليه واستيعاب توجيهاته فقط، وقد سعى أحد الأكاديميين الكوريين لتطبيق إحدى تلك الإستراتيجيات وهي «الفصل الدراسي المقلوب» تطبيقاً عملياً إبداعياً.

«تاي يوج لي» أكاديمي كوري يرأس مركز التميز في التعليم والتعلم بجامعة معهد كوريا المتقدم للعلوم والتقنية «كايست» بكوريا الجنوبية، تبنى فكرة «الفصل الدراسي المقلوب» التي تعتمد على المشاركة ومناقشة الأفكار بين الطلاب أنفسهم بدلاً من الجلوس في محاضرات أحادية الاتجاه، ويشاهد الطلاب الدروس عبر الإنترنت في المنزل، ثم يأتون إلى الفصول الدراسية لمناقشة الأفكار، والعمل على حل المشكلات في مجموعات صغيرة.

يرفض «لي» المحاضرات التقليدية ويراها تقمع الطالب، بينما يقوم مفهوم أو «فلسفة تاي» بأن لا يبقى الطالب متلقياً سلبياً، وتحمل رؤيته تجاه ما يجب أن يقوم به الأكاديميون والمعلمون في المحاضرات، في أنهم يستطيعون القيام بأي شيء عدا أن يحاضروا، وأن دورهم ينحصر في التوجيه والتحفيز والمساعدة وتيسير التفاعل فقط، بينما حقيقة التعلم تحدث بين الطلاب أنفسهم، ويسمي «لي» هذه الممارسة «الجيل الثالث من التعليم»، وذلك لما يحدثه من تفاعل وحيوية بل يراه طريقاً لإثارة الإبداع والعمل الجماعي، وتفتق ذهن الطالب بالأسئلة والتفكير النقدي.

جامعة «كايست» تبنت هذا المفهوم وطبقت «فلسفة تاي» مما جعلها رائدة في حركة الفصل الدراسي المقلوب في عامين فقط، حيث ازداد عدد الفصول التجريبية من 3 عام 2012، إلى نحو 60 فصلا عام 2014، ويأمل لي أن يكون عام 2017 قد وصل عدد الفصول  800 فصل دراسي، أي 30٪ من إجمالي فصول «كايست».

ولعل تجربة جامعة «كايست» تستحق التأمل، فقد كانت سباقة في تبني نمط التحول الثقافي الذي اعتمدته الحكومة الكورية لإصلاح الجامعات والمنافسة العالمية، ويعود ذلك لعام 2006، حين تم اختيار نام بيو سوه «مهندس ميكانيكي أمريكي كوري بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» رئيسًا للجامعة، وما رافقه من توظيف الكثير من أعضاء هيئة التدريس الشباب، الذين جلبوا بدورهم المنح البحثية، حتى صعد ترتيب «كايست» عاليًا لدى تصنيفها بواسطة التايمز للتعليم العالي بين جامعات العالم، من ترتيب 198 إلى ترتيب 69 بعد ثلاث سنوات.

وعجل «سوه» بإطلاق برنامج جيل التعليم الثالث، الذي قلب الفصل الدراسي رأسًا على عقب، ويقدر أن نحو 30٪ من مجموع طلاب «كايست» تلقوا كورسات حسب نهج التعليم الثالث، وجاءت درجاتهم في الامتحانات لا تقل جودة عن أمثالهم في الفصول الدراسية التقليدية، لكن الأكثر أهمية بالنسبة إلى «تاي إيوج» هي الفوائد غير الملموسة.

وشرعت الجامعات الأخرى تحذو حذو «كايست»، فجامعة سيول الوطنية، إحدى أكثر مؤسسات التعليم العالي والبحث المرموقة بكوريا الجنوبية، أدخلت أول الفصول المقلوبة هذا العام، فيما تراقب الجامعات بمختلف أنحاء آسيا «كايست»، ووفقاً لتصنيف الجامعات السنوي الذي تنشره مؤسسة كواكارلي سيموندز البريطانية، تعد «كايست» الآن، ثاني أفضل جامعة في آسيا.

ما تقوله التجربة أعلاه أن فرصة الانطلاق من حصار الوسائل التقليدية مفتوحه، وذلك باستثمار  الإمكانات والقدرات المتاحة خاصة في فضاءات تقنيات التواصل الاجتماعي، وهي ساحة خصبة لإطلاق طاقات الشباب في التعلم وتطوير المهارات بطريقة تتوافق مع اهتماماتهم. 

د.عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA