جديتك وتميزك لا يبرران «انسحابك»

إذا كنت تميل إلى الجدية في حياتك العامة ولديك اهتمامات علمية أو ثقافية أو أدبية، ووازع ديني وأخلاقي يميزك عمن يحيطون بك، فقد تجد نفسك متجها نحو الانعزال أو «الانسحاب الاجتماعي»، فإذا كنت تحب قراءة الكتب مثلاً والانفراد مع الذات والتحلي بالأخلاق، فقد تجد نفسك وحيداً، لا أحد يفهمك، يعتقدون أنك مغرور ومتكبّر، فتبدأ عندها بالتقوقع في عالمك الخاص بعيداً عنهم.

قد تقرأ كتاباً لتشارلز ديكنز مثلاً ومن ثم تضطر لأن تتكلم عنه أو تناقشه مع قريب أو صديق، فتجد جل همه التسكع في المقاهي والمولات، أو مُراهق أكبر همه الحصول على علبة سجائر أو تدخين المعسل، فتدريجيّاً تبدأ بتحطيم جميع تلك العلاقات وينتهي بك المطاف وحيداً في عالمك الخاص، وهنا يكمن الخطر.

التنوير الثقافي والاجتماعي فعل جماعي وليس فردياً إطلاقاً، البداية تكون بتثقيف النفس ولكن النهاية ليست كذلك، قد تنعزل عن أفكارهم وآرائهم وغيرها، لكن إياك أن تنسحب، إياك أن تتقوقع، فالأمل الوحيد لتوعية الشباب المحيطين بك هو أنت!

أنت تستطيع أن تجمع كل ما تعلمه من علوم ومعارف وثقافة مع أبسط الحاجيّات التي قد تراها في عيون أصحابك وأقربائك، يجب أن تنقل ما وصل إليك، يجب أن تبسطه لأولئك الذين لا يفهمون في هذه الحياة سوى أنهم يريدون أن يأكلوا ويشربوا ويتكاثروا!

ربما كان هذا سبب فشل نشر الثقافة في المجتمعات العربية، فالجميع يركّز على التثقيف الذاتي، الشخصي، ويعتقد أن المهم أن يفهم ويتميز هو، وليذهب الجميع إلى الجحيم، ثم يشعر بالإحباط ويقول إن هذا المجتمع لن يتغير ولا يمكن تثقيفه إلا بمعجزة إلهية!

نسبة كبيرة من الشباب لا هم لهم سوى المظاهر والكماليات والقشور، تركوا التعلم والدراسة وبناء المهارات الشحصية والمهنية وانشغلوا بتوافه الأمور كمتابعة برامج التواصل الاجتماعي وتسجيل اللايكات وزيادة عدد المتبعين والتعليق على طرفة أو أغنية، فكأنهم يعيشون مرحلة غياب عن الوعي، والحل هو قيام أمثالك أيها الشاب الجاد والمثقف والخلوق بتوعية محيطك.

مطلوب منك أن تساهم في توعية دينية أخلاقية اجتماعية، تدفع الآخرين لاستيعاب أهمية الوقت وأهمية الدراسة وأهمية العمل وكذلك تحفزهم نحو الاستفادة من قدراتهم وتنميتها بما يخدمهم شخصياً ويخدم أسرهم ومجتمعاتهم.

الثقافة والجدية والتميز يجب ألا تحتكرها لنفسك وألا توقفها عندك، دعها تعبر وتنتقل منك إلى الآخرين، شارك كل شيء تعلمته خلال مسيرتك مع جارك أو صديقك البسيط الذي لا يعرف شيئاً في هذه الحياة سوى سهر الليل ونوم النهار، شاركه كل ما وصل إليك من فَهم، واجعل ثقافتك وأخلاقك تنعكس على المجتمع بأكمله.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA