الكلمة والمسؤولية

آفاق أكاديمية

 

يقول العالم الاتصالي وولتر ليبمان: «الحقيقة ليست هي الواقع، بل الحقيقة ما يقتنع الجمهور أنه واقع».. يؤكد هذا الأمر اعتماد الناس يومًا بعد يوم على وسائل الإعلام التي تقدم تفسيرات للواقع بالكلمة والصورة والحركة واللون.. وبالتالي يبني الناس معاني مشتركة للواقع الاجتماعي من خلال ما يرونه وما يسمعونه..

تأتي مقولة ليبمان في سياق رؤية دور وتأثير وسائل الإعلام التي أوصلت علماء الاجتماع والإعلام لإطلاق ما سُمي بنظريات بناء الواقع الاجتماعي.. من خلال مقولات توضح دور وسائل الاتصال في أن تكون وسيطاً اتصالياً يقوم بتزويد الجمهور بمعلومات حول الأحداث والظواهر والشخصيات ويبني من خلالها المتلقي اتجاهاته ومواقفه.

ولعل تأثيرات وسائل الاتصال تتجلى في أعمق مستوياتها في عملية تغيير سلوك الجماهير.. هذا التغيير الذي تحدثه الوسائل عبر معلومات تبثها أو تنشرها بأشكال وقوالب متنوعة تتسرب إلى وعي وقلب المتلقي وتشكل رأيه.

ومن هنا بات على الإعلامي مسؤولية ضخمة، فهو عبر المنبر المتاح له: شاشة تلفاز أو صفحة مطبوعة  أو أثير إذاعي أو موقع إلكتروني يصل إلى الآلاف إن لم نقل ملايين الجماهير.

وخطورة الكلمة تتأكد على القائم بالاتصال «الإعلامي»، فهو يملك أداة وجهازاً في التواصل مع الجماهير ليصل إلى بيوت الناس وقلوبهم.. وهنا تتأكد «المسؤولية» التي يجب أن يستشعرها الإعلامي في التعاطي مع الوسيلة الإعلامية وانتقاء المضامين التي ترتقي بأذواق الجماهير وتسهم في تعزيز الوعي، وصولاً إلى الاستقرار والتنمية التي تسعى إليها المجتمعات المتحضرة.

لذا تنادى المهتمون بالمهنة من الممارسين إلى الاتفاق على ميثاق شرف منذ بداية القرن الماضي حرصًا على عدم انتهاك هذه المهنة أو الإخلال بصورتها والحرص على  الالتزام في تقديم معلومات صادقة تتسم بالموضوعية والتوازن. 

 ومن هذا المنطلق شكلت أمريكا في الأربعينيات الميلادية من القرن الماضي لجنة هوتشينز ضمت العالم هارولد لازويل وآخرين من أجل مراجعة أداء وسائل الإعلام والتأكد من أنها تشكل إضافة نوعية للمجتمع وترفع من ثقافته وتحافظ على الذوق العام.

وقد وجدت الكثير من المجتمعات التي سبقتنا في مضمار الإعلام إلى ضرورة وجود المواثيق الإعلامية يحدد أخلاقيات المهنة التي يجب أن يلتزم بها الممارسون في ظل المتغيرات المتسارعة اليومية على صعيد الوسائل أو المضامين. 

فهم بذلك يحفظون المهنة من العابثين وغير المتخصصين ممن قد يستخدمها لخدمة مصالحهم الشخصية أو أهوائهم مما يسيئ للمجتمع الصحفي، وهو ما يحتم وجود مرجعية أخلاقية واضحة، كما هو موجود للمهن الأخرى التعليمية والهندسية والطبية.

وعلى الصعيد الوطني فإن المؤمل من  تضافر الجهود بين الأكاديميين الإعلاميين والممارسين للاتفاق على ميثاق إعلامي يسهم في صيانة المهنة من الدخلاء أو أصحاب الأهواء.. وفي نفس الوقت يحفظ رصانة ووقار المهنة ويصون حقوق الممارسين من الضغوط والإغراءات التي قد تمارس عليهم للتخلي عن أخلاقيات المهنة في تغطية ومعالجة الوقائع والأحداث والشخصيات.

د. عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA