وصمة المرض النفسي

 

في الأسبوع الماضي تناولت جوانب ترتبط بمفهوم الوصمة وتصنيف أنواعها؛ وبصرف النظر عن تصنيفات وصمة المرض النفسي، فمن المعروف أنها ترتبط إجمالاً بمآل المصابين، وحُسن تلقيهم واستفادتهم من الخدمة المهنية، وبمعدلات الانتكاسة بعد التعافي؛ وإن كان هذا ربما يختلف باختلاف نوع الوصمة. فأظهرت دراسة حديثة، مثلاً، أن وصمة الذات ترتبط بالأفكار الانتحارية لدى المصابين. وإضافة إلى درس هذه الظاهرة علمياً، يجب أن لا نغفل عن الجوانب الإنسانية والاجتماعية المحضة لظاهرة وصمة المرض النفسي، وكذا ارتباطها الوثيق بقضايا العدالة الإجتماعية والإجحاف الاجتماعي؛ إذ يتضرر منها المصابون، دون أن يكون لهم حول ولا قوة، إلا بمقدار ضئيل غير مؤثر في الغالب. 

وربما من أكثر مظاهر وصمة المرض النفسي ضرراً الاعتقاد بعنف المصابين بالاضطراب النفسي «هذولا خطيرين ومجرمين وينخاف منهم»... «الواحد منهم ما تدري وش بيسوي»)، وهو اعتقاد ليس فقط مُضر بل أيضاً لا تدعمه الأبحاث العلمية الرصينة. فأظهرت غير دراسة أن معدلات العنف عند المصابين لا تختلف عنها لدى غيرهم، ولا تسمح مساحة هذا المقال ولا غرضه من استعراض هذه الدراسات هنا. ولفهم آلية تشكل هذا الاعتقاد غير الدقيق، باختصار، يمكن القول إن الأمر يبدأ مع إدراك الشخص للمصابين على أنهم مصدر خطر، وهذا قد يتولد نتاج معلومات خاطئة وصلت اليه من مصادر مختلفة؛ يتبع هذا شعوره بالخوف من المصابين، فالقاعدة النفسية البسيطة تقول إن إدراك الخطر يرتبط بقوة مع الشعور بالخوف؛ وبعد تنامي الشعور بالخوف يميل الشخص لتجنب المصابين والابتعاد عنهم، ما يقود لظهور سلوك تمييزي ضدهم يظهر في عدم قبولهم في الوظائف أو صعوبات في بناء الصداقات العلاقات الاجتماعية المستمرة. تستمر هذه الحلقة المغلقة في الدوران حتى تُفضي بالمصاب معزولاً اجتماعياً ما يفاقم من مشاكله النفسية، بينما تُفضي كذلك إلى تكريس الوصمة أكثر فأكثر. 

أخيراً، ما المطلوب عمله لمنع ظهور وصمة المرض النفسي أو حتى تقليلها على الأقل؟ يمكن النظر لما هو مطلوب هنا على عدة مستويات؛ على المستوى العامي غير التخصصي، وعلى المستوى المهني التخصصي، وعلى المستوى العلمي الأكاديمي. فعلى المستوى الأول، ينبغي النظر لأشخاص المصابين ليس على أنهم هم «الأمراض النفسية» المُشخصين بها، وإنما على أنهم أولاً وأخيراً أفراد ذوو شخصيات متفردة ومستقلة قبل وبعد أن أصيبوا بالاضطراب النفسي. من الضروري عند التعامل مع المصاب النفسي أن نميز بينه وبين إصابته، وأن لا نخلط بين الأمرين. من الضروري كذلك الوعي وفهم ما يمر به الشخص من خبرات «المرض النفسي»، فهذه تعيننا كثيراً على فهم تصرفاته وتفهمها. ومن ذلك أن فهمنا لخبرة الاكتئاب، كأحد الاضطرابات النفسية، يعيننا على تفهم ميل الشخص للانعزال عن الآخرين؛ عدم فهمنا لهذا ربما يقودنا لإساءة فهم هذه النزعة على أنها شيء من الاستعلاء أو مجرد نزوات عابرة! وعلى المستوى المهني التخصصي، ينبغي على المختصين النفسيين، على اختلاف تخصصاتهم، توسيع منظورهم لفهم الاضطراب النفسي ومداخل علاجه وإدارته. وعليهم كذلك تبني رؤية نقدية لا تستكين للتوجهات السائدة علمياً ومهنياً. فهذه الأخيرة ليست كلها دقيقة ومفيدة. وعليهم أيضاً، الحرص على تمتين علاقاتهم العلاجية مع مراجعيهم، والبُعد عن العلاقات الميكانيكية الباردة، وتوفير بيئة علاجية توفر للمصابين قبولاً غير مشروط توفره علاقة تقوم على التواحد مع المصاب وليس التعاطف الوجداني الخاطئ. 

أما على المستوى الأكاديمي، فيبدو أنه ما زالت هناك حاجة لتحديد أي أنواع الوصمة ترتبط بأيً من متغيرات الاضطراب النفسي، وهل تختلف آثار الوصمة وأنواعها باختلاف الاضطراب النفسي؟  

 د. أحمد كساب الشايع

أستاذ علم النفس المرضي المساعد- قسم علم النفس

ـ إشراف اللجنة الدائمة لتعزيز الصحة النفسية بالجامعة «تعزيز»

للتواصل مع الوحدات التي تقدم خدمات الصحة النفسية بالجامعة: 

- وحدة الخدمات النفسية بقسم علم النفس بكلية التربية- هاتف: 0114674801

- مركز التوجيه والإرشاد الطلابي بعمادة شؤون الطلاب- هاتف: 0114973926

- وحدة التوجيه والإرشاد النفسي بعمادة شؤون الطلاب- هاتف: 0114673926

- الوحدة النفسية بقسم علم النفس بالمدينة الجامعية «طالبات»- هاتف: 0532291003

- قسم الطب النفسي بمستشفى الملك خالد الجامعي- هاتف: 0114672402 

- مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي- هاتف: 0114786100

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA