صديقُك من صدَقَك لا من صدَّقك

مخطئ من يظن أن الصديق الحقيقي هو الذي يوافقه دائماً ويثتي عليه في كل الأحوال، بل الصديق الحقيقي هو الشخص الصادق معك، الذي يشد من أزرك ويقف معك في الشدائد، لكنه في ذات الوقت يقوّمك عندما تخطئ، وينبهك إلى مواقع الزلل التي قد تقع فيها، لا ذلك الذي يصفق لضلالك، خوفا من انفعالك.

«أيتها الصداقة، لولاك لكان المرء وحيدا، وبفضلك يستطيع المرء أن يضاعف نفسه وأن يحيا في نفوس الآخرين». ربما تختصر هذه الكلمات الواردة على لسان الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير، معاني الصداقة الحقيقية التي يفترض أن يتم تكريسها ونششرها بين البشر.

فالبشرية اليوم في أشد الحاجة إلى تكريس قيمة الصداقة، التي عمّت فقلّت، وانتشرت فندرت، حيث بات بإمكان الإنسان اليوم، أن يرتبط بصداقات افتراضية عابرة للحدود، مع أناس يكفي أن يصادفهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ليفتح معهم أسفار علاقات تتجاوز الأعراق، ويضعهم في خانة الأصدقاء، كما يمكن أن يتلقى يوميا دعوات للصداقة من أشخاص لا يعرفهم فيفتح معهم أبواب الدردشة، فتتكون صداقات عادة ما تنسينا المعنى الحقيقي للصداقة.

إن اتساع دائرة القدرة على ربط الصداقات الافتراضية، جعلنا نقلّص من حجم صداقاتنا الحقيقية الواقعية، تلك التي يشترك فيها العقل والقلب والضمير، بحسب جبران خليل جبران، أو التي فسرها ميخائيل نعيمة بأنه “متى أصبح صديقك بمنزلة نفسك فقل عرفت الصداقة” حتى إن أرسطو عندما سئل عن الصديق قال “إنسان هو أنت، إلا أنه شخص غيرك”.

إن أخطر ما يمكن أن تواجهه الصداقة، هو التصدّع بسبب الإهمال والتجاهل والتخلّي بدعوى ضيق الوقت واختلاف الظروف وزحمة المشاغل في ظل زمن السرعة التي بتنا نقضي أغلبه ساهمين أمام وسائل الاتصال الحديثة من تلفزيون وإنترنت وهواتف ذكية، باحثين عن علاقات بعيدة، قد تكون مجدية إنسانيا، ولكنها مدمّرة للمحيط الاجتماعي القريب، ولدائرة الأصدقاء المقرّبين، الذين يفترض أنهم السند والمدد والنجدة والدعم وقت الحاجة والصفاء والوفاء والدليل والخليل في كل الأوقات.

قديما عندما سئل أبوحيان التوحيدي عن أطول الناس سفرا، قال: «هو الباحث عن صديق». غير أن التعريف الأعمق ما جاء على لسان علي بن أبي طالب “صديقك من صَدَقَك لا من صدَّقك”، فالصديق هو الصادق معك، وهو الذي يقوّمك عندما تخطئ، وينبهك إلى مواقع الزلل في طريق أنت سالكها، لا ذلك الذي يصفق لضلالك، خوفا من انفعالك، فإن تجاذبتك المهالك، تركك في حالك، غير معنيّ بمآلك.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA