دوافع خفية وراء عدم الادخار «2-2»

تمت الإشارة في الجزء الأول من هذا المقال إلى مجموعة من الأسباب التي تدفع الناس للإنفاق وعدم الادخار، واليوم أكمل باقي الأسباب وأتلمس بعض الحلول، التي يمكن أن تساعد على التوازن في الإنفاق والتعود على الادخار.

• عصر الإعلانات: العصر الذي نحياه لم يعد كما العصور السابقة، الألوان حولك في كل مكان تضج بالإعلانات المبهرة، وأنت المستهدف، شئت أم أبيت ستكون حتمًا الضحية، افتح نافذتك على يوتيوب ستجد الإعلانات، افتحها على صفحاتك الاجتماعية ستجد الإعلانات، افتح التلفاز ستجد إعلانات، اهرب من كل وسائلك الحديثة إلى الشارع متلمسًا ربما الهدوء، ستجد أيضًا الإعلانات، إنها منظومة متشابكة من تسليع الإنسان وجعله مجرد ضحية لوحش مخيف اسمه الحث على الشراء.

في دراسة مسحية وجد الباحثون أن 40% من مستخدمي Facebook وTwitter و Pinterest قد اشتروا منتجات بعد مشاهدتها أو مشاركتها على صفحاتهم كما أن 30٪ من المستهلكين يعتقدون أن الفيس بوك تؤثر على قراراتهم الشرائية و71٪ من المستهلكين هم أكثر عرضة لإجراء عملية شراء على أساس التوصيات على وسائل التواصل الاجتماعية.

وهذا الأمر له تأثير كبير في كبح جماح الادخار وجعله متوفرًا لدى سكان هذا العصر في أقل الحدود، وبناء على ذلك تختفي ملامح أي تخطيط مستقبلي أو وضع رؤى أو تنظيم للميزانية.

والحل يتمثل في خطوات فعالة يمكن تبنيها، أولها: تجنب التعرض لهذه الإعلانات قدر الإمكان، ثم محاولة الوصول إلى تلك الحالة صعبة المراس التي تكافح تأثير الإعلان على نفسياتنا وتجعله مجرد شيء عابر غير مؤثر، ثم أخيرًا الانشغال بالسعي نحو تحقيق ما نصبو إليه من أحلام وطموحات كبيرة، فذلك يساعد كثيرًا في خفوت أي شيء آخر في الجوار.

• جنون التسوق: إن النظم التسويقية الحديثة مؤثرة في الإنسان إلى أبعد حد، والتسويق لم يعد يتوقف على الإعلانات السابق ذكرها، وإنما هو ممتد لأشياء أخرى كثيرة تحث في الأخير ضحيتها أو الإنسان بوجه عام على اكتساب شراهة من حيث إرادة التملك والحصول على المزيد، مثال صغير على ذلك يمكننا أن نراه في طرق عرض المنتجات في الأسواق الحديثة «هايبر ماركت»، حيث لا يتم الأمر هباءً وإنما عبر فن خاص يخاطب نفسيات الزبائن والعملاء، ويجعلهم يدخلون السوق ليشتروا شيئًا واحدًا ليخرجوا مشترين لأشياء وأشياء، وهذا الأمر له تأثيره المباشر كذلك على الادخار والعزوف عنه، لذا علينا التخطيط المسبق للتسوق والاستقرار على ما نريده بشكل حاسم وسؤال أنفسنا قبل كل شيء سنشتريه هل هذا حقًا نحتاجه؟!

• الرغبة في الاستمتاع بالحياة: بعض المغامرين يعتقدون أن الادخار منافٍ بشكل تام لمعنى المتعة، وبالتالي فهم على سبيل عدم التخطيط ينفقون أموالهم ببذخ دون أدنى تفكير في العواقب، وهذا الاعتقاد أمر نفسي في الأخير يتكون داخل الإنسان ويظهر لنا على هيئة هذه المبالغات، «كيف لك أن تستمتع في الحياة؟ بأن أنفق» هذا هو ملخص اعتقادهم، وبالتالي هم أعداء بشكل واضح لفكرة الادخار.

ومعالجة هذا الأمر ربما تتمثل بشيء بسيط، وهو تخيل مدى الحالة المزرية التي يمكن أن نكون عليها إن أدى بنا إنفاقنا الكثير هذا إلى الخروج من حيز الكفاية إلى حيز الحاجة والفقر والعوز، مجرد التخيل كافٍ لردع الباحثين عن الاستمتاع بحياتهم من خلال الإنفاق فقط، وجعلهم أكثر تنظيمًا لأولوياتهم وادخارًا لأموالهم.

• إسعاد من حولنا ومساعدتهم: هي من الأسباب النفسية ذات البُعد القيمي الجميل، حيث يكون للإنفاق هنا سبب وجيه في فعله واللجوء إليه، وهو إرادة إسعاد من حولنا من المقربين والأصدقاء وما إلى ذلك، وتلك سُنة حسنة يجب علينا جميعًا أن نباشرها بالفعل والاستطراد، لكن في الوقت ذاته تبقى لدينا حدودنا الآمنة التي تبقينا أهلًا لأن نُسعد من حولنا طول الوقت، لا مرة واحد ننفق فيها كل ما نملكه وانتهى الأمر.

في الختام، التوازن هو المطلب الرئيس الذي يبحث عنه مقالنا، توازن يقدر معنى الادخار وكذلك معنى الإنفاق الصحيح فيما يفيد، لا إسراف ولا تقتير، بل طريق وسط يخطط ويأخذ بأسباب الواقع كاملةً وحتى الوصول بها إلى كل ما نرنو إليه من أحلام ونجاحات نتمناها، الإنفاق فضيلة والادخار فضيلة؛ والحصيف من يعلم متى هذا ومتى ذاك.

د. موسى بن محمد قشيش  

مدرب مهارات الحياة في الذكاء المالي

عضو هيئة التدريس كلية الصيدلة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA