التأمين الصحي والمجتمع «1/5»

زاوية: رؤية اجتماعية

عَرفَ الناس التأمين منذ زمن طويل، ولكن التأمين الصحي عُرِفَ لأول مرة في أوروبا أثناء القرون الوسطى عندما قامت نقابات الحرفيين بإنشاء صناديق لمساعدة أعضائها مالياً عندما تأثر دخلهم بسبب المرض، وكان تمويل هذه الصناديق عن طريق مساهمات الأعضاء المنتظمة.

ومع مرور الزمن وانتشار التصنيع، وخاصة في بداية القرن التاسع عشر الميلادي اتضحت الحاجة لمثل هذه التنظيمات مع زيادة الخطر على الصحة والدخل؛ فانتشرت الفكرة انتشارًا كبيراً بين زملاء المهنة الواحدة، وركب الساسة في ذلك الوقت الموجة واستغلوا مثل هذا الموضوع الحساس لكسب تعاطف ذوي الدخل المحدود، فبدأ طرح موضوع مشاركة أرباب الأعمال في توفير نوع من التأمين الصحي للعمال، أي عدم ترك العمال يتحملون الأعباء بمفردهم.

وقد وجد مثل هذا الطرح مساندة الحركات العمالية ولعل هذا أحد أسباب انتشاره اليوم في أنحاء العالم، أما أول قانون يلزم رب العمل بالمشاركة في ما يمكن أن يُعد تأميناً صحياً على العمال، فكان في أواخر القرن التاسع عشر في ألمانيا، وتحديداً في عام 1883، ثم تبعتها النمسا ثم النرويج وبريطانيا وفرنسا قبل أن يعم هذا الإلزام دول أوروبا الصناعية.

وقد تخلى كثير من الدول عن نظام التأمين استجابةً لدعوة منظمة العمل الدولية التي أنشئت عام 1919، ودعت إلى ما جعل «الخدمات الطبية» لجميع أفراد المجتمع من مهام الحكومات؛ باعتبارها من الخدمات العامة الضرورية وينظر إليها على أنها نوع من أنواع التأمين أو الضمان الصحي.

كما أن علاج الأمراض ورفع المستوى الصحي داخل المجتمع ليس سلعة كمالية لا يطلبها إلا الأغنياء، فالمرض يصيب الجميع بل إنه أكثر حدوثاً في حالة الفقر بسبب سوء التغذية، والظروف المعيشية الصعبة، فإذا لم يستطع الفرد أو الأسرة تحمل أقساط التأمين لفقرٍ أو بطالة أو لأي سبب آخر فإن حياتهم تكون عرضة للمشكلات الصحية، ومصدر قلق وخطر بصرف النظر عن حجم الموارد الاقتصادية أو توافر الخدمات الطبية في المجتمع.

هذه المشكلات وأمثالها جعلت بعض المجتمعات الرأسمالية كبريطانيا على سبيل المثال، تتخلى عن التأمين الصحي التجاري والعمل على دعم دخل الفرد بإمكانية حصوله على الخدمات الطبية، وذلك بتبني نظام تقديم الخدمات الطبية لجميع أفراد المجتمع دون استثناء كجزء من مهام الحكومة التي ترى من واجبها تقديم الحاجات الأساسية للمواطين كحق مكتسب.

نستطيع القول، إن التأمين الصحي بدأ في الغرب قبل أن يبدأ في الدول العربية والإسلامية بأكثر من سبعة عقود من الزمن، وبالمثل في بقية أنواع التأمين، بدأ إصدار عقود التأمين في المجتمعات الغربية الرأسمالية، وتم نقلها من هناك كما هي، فكانت خالية من أية ضوابط شرعية؛ فالتحفظات وردود الأفعال التي نشأت- وما زالت قائمة- في المجتمع الإسلامي لم تكن ناتجة عن عقد التأمين ذاته وإنما عن الممارسات المصاحبة له بما تحويه من ربا وغبن وضرر وتدليس، لذلك اجتهد بعض عُلماء الدين وأباح التأمين، واجتهد البعض الآخر وحرمه، ولكل منهم أدلته وحججه الشرعية؛ وللحديث بقية إن شاء الله، وإلى اللقاء.

د. علي بن أحمد السالم

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA