ضوابط التأثير المعرفي لوسائل التواصل الاجتماعي

 

 

لا شك أن عمر وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعنا العربي لا يتجاوز العقد من السنين، لكن يتفق الجميع على تأثيرها على المجتمع متمثلاً بأفراده على اختلاف مستوياتهم، ومن هنا خطر في ذهني سؤال؛ هل سوف تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في بناء المعرفة في عقولنا وتشكلها؟ وما مدى تأثيرها على الأفراد رجالاً ونساءً وأطفالاً؟!

بدايةً، أنا لست مع أو ضد هذه الوسائل، وإن كنت أعتقد أنها وسائل قد تكون مفيدة وقد تكون ضارة، لكن السؤال عن تأثير كمية المعلومات المتداولة فيها، وعن سرعة انتشارها ودور هذه المعلومات في بناء الفكر والقناعات أو هدمها، أو إنشاء قناعات جديدة.

من خلال متابعة تلك الوسائل ورصد ردود أفعال المجتمع تبين لي عدة ملاحظات من أهمها أن كثيراً من الأفراد وضع له منبراً يلقي منه كل ما يحلو له، وبعضهم دون تثبت وقد يكون له جمهور من المتابعين الذين استغل بعضهم هذا الجمهور للاستثمار المالي.

كما تبين لي أن كثيراً من الأفراد يتلقون تلك المعلومات وكأنها مسلمات لا جدال فيها دون تمييز بين الصحيح والخاطئ منها، بل وبعضهم يعيد نشرها مرة أخرى ويساهم من حيث لا يدري بالتلوث المعلوماتي في المجتمع.

بعض الأفراد ليس عنده مرجعية داخلية يعتمد عليها لتقييم الأمور، بل هو مع من غلب، وأحياناً مع الطرفين المتناقضين، مما يسبب له الحيرة والارتباك، وسرعة انتشار المعلومات والمقاطع بين الناس واستجابتهم لها وتكرارها قد يكسبها قوة معنوية لا تستحقها.

مما سبق وغيره نتبين أن لهذه الوسائل دور في تكوين البنية المعرفية لدى الأفراد وبالذات الشباب، وكلما قل النصيب العلمي والمعرفي والثقافي لدى الفرد سهل اندماجه بهذا العالم الإلكتروني وهذه الثورة المعلوماتية المتباينة وازداد تأثره بها.

من هنا يأتي دور الفرد لضبط تدفق تلك المعلومات إلى عقله وما الذي يختاره منها وما دوره نحوها؛ إن العلم والمعرفة والأفكار التي تتشكل منها العقول هي المحرك لقلب الإنسان ودوافعه غالبًا، وكما يحرص العاقل على صحة مأكله ومشربه، يجب أن يحرص على صحة غذاء عقله، فليس صحيحاً أن المعلومات التي تمر على الإنسان لا يتأثر بها، لأنه إن لم يتأثر بها أول مرة أو ثاني مرة فإنه قد يتأثر بها عاشر مرة.

لا يعني ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي ضارة بالمطلق، فقد تكون مفيدة ومفيدة جدا في بعض جوانبها، لذلك حري بنا الاستفادة القصوى منها وتعليم الآخرين كيفية الاستفادة منها، ومن ذلك عدم التسليم بأي معلومة ما لم يكن معها إثبات على صحتها، وأن يكون للفرد مرجعية ذاتية مستندة على عقيدة صحيحة وعلم ومعرفة صحيحة حتى يسلم من الانحراف ولا يكون إمعة مع كل ناعق وفي كل واد يهيم.

علينا أن لا نكرر نشر المعلومات أو المقاطع ما لم نتأكد من صحتها، وكذلك من وجودها في صحيفتنا يوم القيامة، فحتى هذه الأمور محاسبين عليها، ولا نساهم في نشر أو إعادة نشر ما فيه ضرر أو فتنة أو مخالفة حتى وإن كان من قبيل ذمها فنشرها هو انتشار لها ما لم تكن منتشرة ويجب التحذير منها.

على كل منا أن يسعى لاستغلال هذه الوسائل والتقنية خير استغلال في نشر الخير والمعرفة ونشر السلم والسلام وصلة الأرحام والتفاؤل والمعلومـات الصحيحة ويحتســب الأجر في ذلك، وأن يهتم بالوقت، فيخصص أوقات محددة لهذه الوسائل وعدم الانشغال بها طوال الوقت مع مراعاة الآداب العامة.

على كل راعٍ أن يهتم برعيته ويتعهدهم بالتوجيه والملاحظة ولا يترك وسائل التواصل تتولى تربيتهم وتشكيل عقولهم لأنه مسؤول عنهم أمام الله، وأن يهتم الفرد بنفسه بملاحظتها باستمرار وببناء ذاته وعقله وتطويرهما للخير والاستفادة من كل ما هو جديد وتفعيله لنشر العلم النافع والخير للناس.

وقد صح عن رسولنا صلى الله عليه وسلم قوله: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْر».

د. هدى ناصر الشلالي

كلية التربية 

قسم الدراسات الإسلامية

E : Halshelali@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA