وصايا نبوية عظيمة

لقد حوت سيرة سيد المرسلين والمبعوث رحمة للعالمين وصايا عظيمة لأمته صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الوصايا ما علمه لابن عمه، ففي الحديث عن عبدالله بن عباس قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف». رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

هذه الوصايا وإن كانت موجهة لغلام إلا أنها احتوت أصولاً عظيمة يحتاجها المسلم في حياته، أولها وأهمها حفظ الله تعالى لك «احفظ الله يحفظك»، فمهما بلغ الإنسان من قوة أو ضعف فإن الذي يحفظه هو الله، منذ كان جنيناً في بطن أمه لا حول ولا قوة له، يصله طعامه وشرابه مع حفظ الله ولطفه به، إلى أن ظهر على هذه الدنيا وسخر الله له الوالدين وغرس في داخلهما الحب والرحمة له، ثم أصبح يافعًا يدب على الأرض يكاد ينسى حفظ الله له ولطفه به، معتدًا بقوته وشبابه.

حفظ الله لنا يشمل جوانب متعددة من حياتنا، منها حفظه لصحتنا وسلامة أبداننا، كذلك حفظ الله لأرزاقنا التي تكفل بها سبحانه، وحفظ الله لنا من شرور الأقدار وحوادث الزمان والتسخير، ويطول القول في مجال حفظ الله لنا لأنه يحيط بنا في كل وقت ومكان، وحتى يتم حفظ الله لك كما تحب عليك أن تحفظ الله كما يريد سبحانه وتعالى، وحفظك لله بمعنى إقامة أوامره والبعد عن نواهيه والالتزام بما أمر وخشيته في الغيب والشهادة، والمستفيد من هذا الاتباع لأوامر الله هو الإنسان نفسه، لأن الله تعالى غني عن العالمين، وأكثر ما يحتاجه الإنسان هو حفظ الله له في دينه ودنياه وبدنه وذريته.

ثاني تلك الأصول: معية الله تعالى لك «احفظ الله تجده تجاهك»، بمعنى أنه يكون معك سبحانه وتعالى، هذه المعية هي أكثر ما يحتاجه الإنسان في حياته ليشق طريقه ويوفق في مسيرته ويحقق طموحه وأهدافه، هذه المعية الربانية فريدة شاملة دائمة، فمهما حاول الإنسان توفير معية له تيسر له أموره وتحفظه تكون ناقصة لأن الجهد البشري محدود، ولله المثل الأعلى، ومعيته تعني أنه معك في كل أوقاتك وأحوالك وهو ملك الملوك، وبيده خزائن كل شيء وأمره بين الكاف والنون، فأي شعور أجمل من معية رب العالمين سبحانه وتعالى.

ثالثاً: العزة والكرامة واللجوء لله «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله»، هذا الأصل فيه تربية إسلامية للفرد تشعره بقوته ونجاحه وبقيمته وكرامته ومن ثم أهميته نحو نفسه ودينه ومجتمعه، وفيه أيضاً تحديد للمصدر الحقيقي الوحيد للأرزاق ومسبب الأسباب، وهو الله سبحانه وتعالى، وأن على العبد فعل الأسباب والتوكل على الله وحسن الظن به تعالى، وأن بقية المخلوقات هي عبيد لله تعالى، فأي عزة وكرامة وقوة سوف يشعر بها المسلم إذا تربى على هذه الوصايا التي تربى عليها الصحابة، فكانوا جبالاً على الأرض، فتحوا الأمصار بهذه التربية وهذا الإيمان.

رابعاً: تقرير عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك...». إن هذا الركن من أركان الإيمان هو زاد المسلم للصبر في هذه الحياة، يجعله ينطلق لا يخشى إلا الله، عالمًا أن ما قدره الله له سوف يصيبه وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه مهما عمل، وأن ما لم يقدر له لن يصبه مهما كان، هذه العقيدة توجد الاطمئنان الحقيقي للمسلم  ومن ثم الصبر والرضا والاحتساب في كل أحواله.

لذا تجد المؤمن بين شكر وصبر، لا يهتز لفواجع أو مصائب بل يستمر في حياته راجياً ما عند ربه، وهذا ما تفتقده المجتمعات والأفراد الذين لا يؤمنون بالقدر، فتكثر لديهم الأمراض النفسية من قلق وخوف وتوتر واكتئاب، أو لجوء للمحرمات كالمخدرات وغيرها، والبعض يصل بهم الحال إلى الانتحار وإنهاء حياته بدلاً من استثمارها وتطويرها.

ختاماً أشير إلى أن  كل هذه المعاني العظيمة التي احتوتها وصية الرسول صلى الله عليه وسلم هذه كانت موجهه لغلام، فكانت تربية حقيقية للإيمان ومعانيه في النفوس منذ الصغر، وصقل للشخصية السوية منذ نعومة الأظافر، فحري بنا أن نربي أنفسنا والأجيال على هذه الوصايا النبوية العظيمة من الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

د. هدى بنت ناصر الـشلالي

أستاذ مساعد - كلية التربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA