السمنة في المجتمع «2/5»

زاوية: رؤية اجتماعية

لم يتم التعرف بشكل دقيق بعد، على العوامل التي تتسبب بزيادة الوزن والسُمنة، إلا أن العديد من الخبراء على مستوى العالم أجمعوا، على أن من أهم تلك العوامل؛ الإفراط في تناول الأطعمة، وسوء التغذية، وانخفاض مستويات النشاط البدني. كما تقرّ منظمة الصحة العالمية بأنّ استفحال ظاهرة زيادة الوزن والسُمنة في المجتمع مردّه التغير الذي طرأ على المجتمع نتيجة التطوّر الاجتماعي والاقتصادي والسياسات المنتهجة في مجالات الزراعة والنقل والتخطيط الحضري والبيئة 

وصناعة الأغذية وتوزيعها وتسويقها، فضلاً عن مجال التعليم.

لقد نصح «أبقراط» في القرن الخامس قبل الميلاد، كل من يأتي إلى مدينة جديدة أن يستفهم عدة مرات عن مدى كون المكان صحيا أو غير 

 

صحي للعيش فيه، طبقًا لجغرافيته وموارد المياه فيه إن كانت يسيرة، عسيرة، مالحة، وعن سلوك سكانه إن كانوا مغرمين بالأكل والشرب الزائد ويركنون للكسل، أم بأداء التمرينات والعمل الشاق.

وابن خلدون ذكر في مقدمته أن الأمراض في أهل الحضر والأمصار أكثر منها في أهل البدو، لخصب عيشهم وكثرة مآكلهم وقلة اقتصارهم على نوع واحد من الأغذية، وعدم توقيتهم لتناولها، وكثيراً ما يخلطون بالأغذية من التوابل والبقول والفواكه، رطباً ويابساً ولا يقتصرون في ذلك على نوع من الأنواع؛ فربما عددنا في اليوم الواحد من ألوان الطبخ أربعين نوعاً من النبات والحيوان فيصير للغذاء مزاج غريب.

كما أن الرياضة مفقودة عند أهل الحضر والأمصار، إذ هم في الغالب وادعون ساكنون لا تأخذ منهم الرياضة شيئاً ولا تؤثر فيهم أثراً، فكان وقوع الأمراض كثيراً في المدن والأمصار، وعلى قدر وقوعه كانت حاجتهم إلى صناعة الطب.

أما أهل البدو فمأكلهم قليل في الغالب والجوع أغلب عليهم لقلة الحبوب حتى صار لهم ذلك عادة، والرياضة موجودة فيهم لكثرة الحركة من ركض وركوب خيل وصيد وطلب حاجات، فيحسن بذلك كله الهضم ويجود ويقل إدخال الطعام على الطعام فتكون أمزجتهم أصلح وأبعد من الأمراض فتقل حاجتهم إلى الطب.

وفي الدين الإسلامي قواعد أساسية تساعد الإنسان على الاتزان في جميع مناحي الحياة، ومنها على سبيل المثال تجنب الإسراف في الطعام؛ قال تعالى: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» سورة الأعراف: 31. قال أهل العلم في تفسير هذه الآية الكريمة: إن كثرة الطعام وتجاوز الحد إلى درجة الشبع يُفضي إلى فساد الجسم، ويورثه الأسقام، ويكسل عن الصلاة؛ فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك، حيث قال: «إياكم والبطنة في الطعام والشراب؛ فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما؛ فإنه أصلح للجسد، وأبعد عن السرف، وإن الله تعالى ليبغض العبد السَّمين، وأن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه».

وقال الإمام الغزالي في «إحياء علوم الدين»: إن في قلة الأكل صحة للبدن، ودفعاً للأمراض؛ فإن سببها كثرة الأكل، وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق».

وقال الدكتور أحمد كنعان في كتابه «الموسوعة الطبية الفقهية»: قد ثبت علمياً أن السُمنة الناتجة عن الإفراط في الطعام، تسبب مضاعفات خطيرة في القلب والأوعية الدموية وجهاز التنفس وجهاز الهضم، وتزيد معدل الوفيات.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.

د. علي بن أحمد السالم

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA