في حضن الطبيعة يصمت القلق 

 

العيش في اللحظة يسكت ثرثرة القلق، ونحيب الأفكار والذكريات السوداء والبائسة؛ فربما تكون أنفاس النباتات - سواء كانت في مزرعة واسعة، أو في حوض صغير-  متكأً مريحاً لعيش اللحظة. ملمس الأوراق، ورائحة الزهور، والطين الندي، وتناغم الألوان، وصوت وقع القدمين على الأرض وتلاحم الأغصان أو شيء من عزف الطيور، وحركة اليدين بين الإغصان لقصها، أو في التربة لغمرها وتسويتها، كلها تروض جياد الأفكار الشرسة التي لا تعرف حدود الزمان.

والسير في طريق هادئ محفوف بالأشجار يقلل من حدة الأفكار السلبية مقارنة بالسير بحذاء طريق مرور السيارات، هذا ما توصلت إليه دراسة نشرها براتمان وزملاؤه في عام 2015 في مجلة Proceedings of National Academy of Sciences . إذ وجدو أن اجترار الأفكار السلبية وإعادة عيش تفاصيلها انخفض حسب مقياس طبّق على عينة من الراشدين الذين مشوا لتسعين دقيقة في ساحات جامعة ستانفورد مقارنة بآخرين مشوا في ناصية طريق من طرق المدينة الرئيسة.

الجدير بالذكر أن كلا المجموعتين من المشاة ساروا بمفردهم دون لبس سماعات للاستماع أثناء المشي ودون تبادل الحديث مع شخص آخر، والمثير للاهتمام أن الدليل على نقص اجترار الأفكار السلبية لم يكن قاصراً على المقياس الذي طبقه المشاركون في التجربة، وإنما قام الباحثون بتصوير نشاط الدماغ لهؤلاء الأشخاص بواسطة جهاز الرنين المغناطيسي، فوجدوا أن نشاط منطقة معروفة بالاستثارة العالية أثناء اجترار الأفكار والذكريات السلبية وهي واقعة في أقصى مقدم الدماغ قد انخفض عند من مشوا في أحضان الطبيعة الهادئة مقارنة بما وجد من تصوير أدمغة المجموعة التي حاصرها صخب المرور. وكأن هذه النتيجة تشير إلى أن سمات الطبيعة تفتن الفرد بوداعة ألوانها  وحفيفها وهوائها النقي، وتجعله يعيش اللحظة بحواسه التي تفوق الخمس.

وأبعد من ذلك: فالاقتراب من البيئة الطبيعية وإن لم يمارس الفرد فيها نشاطًا محددًا - كالزراعة أو التنسيق - تقطر بهتّانها على صحته النفسية. 

وماذا عن المساحات الرملية هل تملك ذات السحر الفاتن؟ أجاب عن هذا السؤال ستراير في دراسة نشرها عام 2012«Strayer et al., 2012»، حيث قاس نشاط الدماغ الكهربائي لثمانية وعشرين طالبًا من طلاب الجامعة، بعد أن صحبهم لرحلة برية لمدة ثلاثة أيام، ولأنه كان يعتقد أن تأمل الجبال والصخور بعيداً عن الشاشات والمشتتات تريح الدماغ وخصوصًا مقدم الدماغ المسؤول عن تركيز الانتباه، فقد توقع أن موجات الدماغ في مقدم المخ تحديدًا ستعكس موجات الاسترخاء. وليثبت أن موجات الاسترخاء ستزيد من قدرة الفرد على النظر للأمور بطريقة مرنة، فقد أجرى على هؤلاء العائدين لتوهم من الرحلة البرية اختبارًا للحلول الإبداعية للمشكلات، ووجد تفوقًا في أدائهم - مقارنة بمجموعة أخرى .

ومن زاوية أخرى تخيل الأطفال في مساحة واسعة من الرمال مقابل كرسي صغير في طرف الغرفة . يقول بانكسب «Panksepp, 2016» بأن اللعب الذي يحرك جسد الطفل بأكمله بين جري وبحث وقفز يجعله أقل تهيجاً وأكثر سعادة. وهذا هو اللعب الذي سينهمك فيه الطفل إذا زار المساحات الواسعة. 

إعداد د. سمية النجاشي 

 قسم علم النفس 

• إشراف اللجنه الدائمة لتعزيز الصحة النفسيه بالجامعه .

للتواصل مع الوحدات التي تقدم خدمات الصحة النفسية بالجامعة: 

- وحدة الخدمات النفسية بقسم علم النفس بكلية التربية- هاتف: 0114674801

- مركز التوجيه والإرشاد الطلابي بعمادة شؤون الطلاب- هاتف: 0114973926

- وحدة التوجيه والإرشاد النفسي بعمادة شؤون الطلاب- هاتف: 0114673926

- الوحدة النفسية بقسم علم النفس بالمدينة الجامعية «طالبات»- هاتف: 0532291003

- قسم الطب النفسي بمستشفى الملك خالد الجامعي- هاتف: 0114672402 

- مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي- هاتف: 0114786100

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA