آفاق أكاديمية

نظام الجامعات الجديد..الشراكة في البناء

القراءة لواقع التطور في المجتمعات المتقدمة يؤكد الدور البارز للجامعات في قيادة قاطرة التنمية والتطور، وأنها وسيلة البناء التي تقدم الكوادر المهنية والتقنية فضلا عن دورها الريادي في الدفع بالاختراعات والمبتكرات بما يسهم في تقدم الامم ونهضتها. وقد شهد قطاع التعليم العالي في العهد الزاهر لقفزات في انشاء عدد الجامعات والكليات واطلاق الجامعات والكليات الاهلية..ليصل اجمالي الجامعات الى 25 جامعة موزعة في جغرافيا جميع مناطق المملكة بجانب 9 جامعات و34 كلية اهلية.

وهذا التوسع الكمي واكب متطلبات التنمية في ظل نظام التعليم العالي الذي صدر منذ ربع قرن.. حيث لبى احتياجات المجتمع في مرحلة سابقة الا أن النظام كبل الجامعات وجعلها نسخا مكررة وافد التميز والتمايز وترسخت البيروقراطية  وكثيرا ما نال الجامعات سهام النقد واللوم من مختلف الجهات وبعضها له مصداقية ومن ذلك أن مخرجات الجامعات غير موائمة لاحتياجات سوق العمل وأن انتاجها البحثي لا يرقى للمعايير المطلوبة لتحولها الى  منتجات ذات جودة يمكن تسويقها وبالتالي تظل حبيسة ادراج مراكز البحث والتميز أو يستفاد منها فقط للترقية العلمية..

ونتيجة للمتغيرات المتسارعة واحتياجات المجتمع وطموحاته وتطلعات القيادة خاصة بات دور الجامعات  يتجاوز التوسع الكمي في اعداد الطلاب الى ضرورة الموائمة مع احتياجات السوق وتحقيق أهداف التنمية الطموحة في وطننا الغالي في ظل رؤية السعودية 2030  .

كل ذلك وغيره دعى ولاة الأمر  الى التوجيه باعداد نظام للجامعات جديد يضاهي ما هو موجود في الجامعات العالمية المتقدمة التي تحقق نجاحات في شراكة حقيقية في حركة التنمية والاقتصاد.. وهو ما أكده د.محمد الصالح  -الامين العام «سابقا» لمجلس التعليم العالي- في ورقته(ملامح نظام الجامعات الجديد)  التي اثارت الانتباه والقت حجرا ثقيلا في بركة الاكاديميين لتثير الاسئلة وتلفت الانظار. فقد أكد ان جميع  منسوبي الجامعة في حقيقة الأمر مسوقون للجامعة من خدمات استشارية أو جلب أوقاف واقتناص فرص استثمارية. 

 الخبر المفرح في النظام الجديد هو التوجه نحو «استقلالية» الجامعات وتخفيف المركزية المتمثل بارتباط الجامعات بوزارة التعليم في القرارات اضافة للمرونة(اداريا واكاديميا وماليا) والتنوع في توجهات الجامعات بين بحثية وتطبيقية  وتعليمية لتوجد قدرا من التخصص والتنافسية. 

فالاستقلالية تتمثل في انشاء مجلس أمناء الجامعة واعطاءه الصلاحيات في رسم الاستراتيجيات والاطر العامة لخطط الجامعة زاختيار الكوادر القادرة على تحقيق الرؤية من قيادات ادارية أو أكاديمية.. وهو ما سيسهم في تركيز الجامعات على الأهداف الاساسية والتخفف من كل ما ليس له علاقة في ما خصصت الجامعة من أجله..وبالطبع حسن الاختيار بين مزيج الاكاديميين اصحاب الرؤية الاستراتيجية وتطعيمها بشخصيات من القطاع الخاص تضع رؤية سوق العمل في الاعتبار سيساعد على استثمار امثل للموارد بشرية أو مالية أو تجهيزات وتوجيهها بكفاءة وفقا لخطط محكمة.

وبلا شك فإن من أبرز فوائد «الاستقلالية» استثمار الموارد المتاحة بفعالية وفرصة استقطاب الكفاءات المبدعة لقيادة المرحلة وتحفيزها نحو  الانطلاق بجامعاتنا لتكون مصدرا للابتكار والانتاج وتعتمد ماليا على ذاتها في سباق مع الزمن.

وهذا الطموح الذي تسعى اليه القيادة يحتاج الى مواكبة من العمل المتواصل والانفتاح على جميع الكفاءات في كل جامعة وتأكيد التشاركية مع كل الكفاءات الراغبة في العطاء في هذه المرحلة الحرجة..ولعل من اهم اهداف هذا التوجه لوزارة التعليم هو اتاحة الفرصة للجامعات في التوسع في ايجاد مصادر تمويل ذاتية من شراكات واستثمار وأوقاف أو رسوم..

وهنا على الجامعات أن تستفيد من كل الطاقات التي قد تحول البيروقراطية دون وصولها للادارة العليا..وهذا يتطلب وجود آلية او ادارة تسمح بالتواصل المباشر مع المبادرين واصحاب الافكار الابداعية أو الذين يتمتعون بقدرات في جلب الاستثمار، مستصحبين حفظ الحقوق الفكرية والمادية لهذه الفئة التي لا تتمتع احيانا بالنفوذ أو المكانة..والنجاح الحقيقي هو في اكتشافها واستقطابها لصالح المشروع التطويري للجامعات.

وأخيرا.. هناك حرص من قيادات التعليم على تنفيذ التحول نحو النظام الجديد بأقصر وقت ممكن (سنة أو سنتين)، وهذا يتطلب الاستثمار الامثل للموارد ومنها توسيع نطاق ودائرة المشاركة من أبناء الجامعات بما يخفف العبء على فريق العمل ويعظم الفائدة من الكوادر والطاقات التي تزخر بها جامعاتنا في بلورة الرؤية الجديدة لكل جامعة، وهو ما يؤكد تبني الفكر الجديد في اعطاء فرصة لكل المبدعين للرفع من كفاءة الانجاز  لتحقيق أهداف الرؤية لتصبح مملكتنا واحة للمعرفة والعلوم التقنية والانسانية بما يحقق آمال وتطلعات القيادة الرشيدة.. 

د. عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA