مجال رئيسي للبحث العلمي والتطوير التقني

النظم السيبرانية الفيزيائية

 

أصبح مصطلح النظم السيبرانية الفيزيائية شائعاً ومتداولاً، لذلك من الضرورة تسليط الضوء على مفهوم هذه النظم واستخداماتها، مع التنويه لأهمية عدم الخلط بين مفهوم الأمن السيبراني ومفهوم النظم السيبرانية الفيزيائية، فالأول يعتني بحماية الشبكات وأنظمة المعلومات من الاختراقات والجرائم المعلوماتية.

أما الثاني فهو آلية علمية حديثة من الجيل الرابع للثورة الصناعية، صممت بهدف المراقبة والسيطرة والتحكم عن بعد بواسطة خوارزميات حاسوبية تتكامل بإحكام مع الشبكات الحاسوبية وشبكة الإنترنت ومستخدميها.

تتشابك المكونات الفيزيائية في هذه النظم مع الأجهزة الحاسوبية والبرمجيات بشكل معمق، وتعمل جميع مكوناتها على نطاقات مكانية وزمانية مختلفة، وأنماط سلوكية متعددة ومتميزة، وتتفاعل مع بعضها البعض بطرق عديدة تتغير وتتأقلم حسب الحاجة. 

 

اتصالات واستشعار

الدكتور وليد الحنيطي، الباحث بوكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، أوضح أن التطبيقات الشائعة لهذه النظم عادة ما تندرج تحت أنظمة الاتصالات والاستشعار، فعلى سبيل المثال، ترصد العديد من شبكات الاستشعار اللاسلكية بعض جوانب البيئة المحيطة وتقوم بمعالجة المعلومات وترحيلها إلى جهة مركزية للاستفادة منها، ومن الأمثلة على ذلك؛ أنظمة المركبات المستقلة «بدون سائق»، والرصد الطبي ورعاية المرضى عن بعد، ونظم التحكم في العمليات، ونظم الروبوتات الموزعة، والملاحة الجوية والطيران الآلي «بدون طيار».

 

أنظمة مدمجة

وأكد أن مفهوم هذه النظم ينطوي على استخدام منهجيات تخصصات متعددة ومتباينة، ودمج نظريات علمية متنوعة مثل علم التحكم الآلي، والميكاترونيكس، والتصاميم الهندسية والعلوم، وكثيراً ما يشار إلى عمليات التحكم بالأنظمة المدمجة؛ فالنظم السيبرانية تقدم مزيجاً وتنسيقاً دقيقاً بين العناصر الفيزيائية والحاسوبية، وتندرج هذه النظم في مجالات متنوعة مثل الفضاء والسيارات والعمليات الكيميائية والبنية التحتية المدنية «المدن الذكية» والطاقة والرعاية الصحية والتصنيع والنقل والترفيه والأجهزة الاستهلاكية، وتسعى هذه التقنيات لتطوير ورفع مستوى حياة الإنسان في جميع الجوانب باستخدام أقل قدر من الزمن والطاقة والمحافظة على البيئة.

 

نظرة عامة

خلافاً للأنظمة المدمجة التقليدية، يتم تصميم النظم السيبرانية بشكل متكامل كشبكات تتكون من عناصر عديدة تتفاعل بدقة فائقة مع المدخلات والمخرجات الفيزيائية بدلاً من الأجهزة المستقلة، ويرتبط المفهوم ارتباطاً وثيقاً بمفاهيم الروبوتات وشبكات الاستشعار مع تطبيقات حاسوبية عالية الذكاء تقود التحكم والمسار بالكامل.

 

تقدم مستمر ومتسارع

وحسب الدكتور الحنيطي فإن التقدم المستمر والمتسارع في مجالات العلوم والهندسة سيعمل على تطوير الصلة بين العناصر الحاسوبية والعناصر الفيزيائية عن طريق آليات ذكية، وهذا بالتالي سيؤدي الى زيادة كبيرة جداً في استخدامات هذه النظم في حياتنا اليومية نظراً لقدرتها الفائقة على التكيف، والاستقلالية، والكفاءة العالية، والتحكم، والموثوقية، وتحقيق متطلبات السلامة العامة، وسهولة الاستخدام.

 

تطبيقات متنوعة

وتتوسع إمكانات وتطبيقات هذه النظم بعدة أبعاد، بما في ذلك تطوير عمليات التداخل مثل تجنب الاصطدام بين مكونات النظم، والدقة الفائقة مثل إجراء العمليات الجراحية عن بعد باستخدام الروبوت، والتصنيع المتقدم على مستوى النانو ميتر، والعمل في بيئة خطرة وصعب الوصول إليها مثل عمليات البحث والإنقاذ، ومكافحة الحرائق، والاستكشاف في أعماق البحار؛ وعمليات التنسيق الفائق مثل مراقبة الملاحة الجوية، والقتال والمناورة العسكرية في الحروب؛ والكفاءة والدقة العالية مثل مباني الطاقة؛ وزيادة القدرات البشرية مثل مراقبة الرعاية الصحية عن بعد وتنفيذها وتوفير بيانات المرضى على مدار الساعة.

 

حديقة روبوتات

العديد من الجامعات العالمية الكبرى لديها مشاريع بحثية وبرامج دراسات عليا في هذه التقنيات، ومن الأمثلة الحقيقية على تطوير البحوث العلمية لهذه النظم، مشروع «حديقة الروبوتات الموزعة» Distributed Robot Garden في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، حيث يعمل فريق من الروبوتات في حديقة زراعة النباتات، وهذا النظام يجمع بين عناصر متعددة تتكون من الحساسات الموزعة على كل نبتة لرصد حالتها والبيئة المحيطة بها وتحديد احتياجاتها وتقديم الرعاية الضرورية لها، وأجهزة للملاحة، وأجهزة للمعالجة، وأجهزة الشبكات اللاسلكية لربط مكونات النظام.

 

صناعات ذكية

وفي مجال الصناعة، أدت هذه النظم بالإضافة إلى تقنيات الحوسبة السحابية التي تستطيع توفير عدد كبير من الخدمات الحاسوبية السريعة المتكاملة بهدف التيسير على المستخدم إلى تمهيد الطريق لجيل جديد من الصناعات الذكية، كما هو الحال في مشروع «الصناعة 4» في المفوضية الأوروبية بالتعاون مع شركاء من كبار الشركات العالمية مثل شركة شنايدر إلكتريك، وساب، وهانيويل ومايكروسوفت وغيرها.

 

استثمارات عالمية ضخمة

ومما يدل على أهمية هذه النظم، وجود استثمارات عالمية ضخمة لتطوير هذ التقنيات، فقد اعتبرتها المؤسسة الأمريكية الوطنية للعلوم «NSF» مجالاً رئيسياً للبحث العلمي والتطوير التقني في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ أواخر العام 2006م، قامت المؤسسة مع غيرها من الهيئات الفيديرالية في الولايات المتحدة برعاية العديد من المؤتمرات وورش العمل وحلقات النقاش لفهم وتطوير وتفعيل النظم السيبرانية في حياتنا اليومية.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA