التقنية بين النقل والتوطين: التطلعات الطموحة لرؤية 2030 

 

 

 

تم إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة لتتولى مهام إعداد برامج الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في المملكة وبخاصة في مجالات توليد الكهرباء والطاقات المتجددة وتحلية المياه وتحضير النظائر المشعة لاحتياجات الأبحاث الطبية والصناعية، مما سيعطي المملكة القدرة المعرفية ضمن الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلقة بموضوع الأمان النووي التي تنظم استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية وتوفر المواد الضرورية للاستخدامات الطبية والزراعية والصحية وكافة الاحتياجات الوطنية.

وهذه المدينة تفتح بابًا واسعًا للمساهمة في التنمية المستدامة في المملكة باستخدام العلوم والأبحاث والصناعات ذات الصلة بالطاقة الذرية والمتجددة في الأغراض السلمية، بما يؤدي إلى توطين التقنية ورفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة، وبخاصة أن المملكة تشهد نموًا مضطردًا للطلب على الكهرباء والمياه المحلاة وذلك نتيجة النمو السكاني والامتداد الحضري إلى جانب الأسعار المدعومة للمياه والكهرباء.

ويقابل هذا الطلب المتنامي على الكهرباء والماء طلب متزايد على المواد الأحفورية «النفط والغاز» لاستخدامها في توليد الكهرباء وتحلية المياه التي ستستمر الحاجة لتوفيرها بشكل متزايد، ولذلك فإن استغلال مصادر بديلة مستدامة وموثوقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة سيقلل من الاعتماد على تلك الموارد الأحفورية القابلة للنضوب، وبالتالي يوفر ضمانًا إضافيًا لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه في المستقبل ويحفظ في الوقت ذاته تلك المصادر الثمينة من التلاشي والاندثار؛ الأمر الذي سيؤدي إلى إبقائها مصدرًا للدخل لفترات طويلة من الزمن.

وفي إطار التطلعات الطموحة لرؤية 2030 تم الإعلان مؤخرًا عن مشروع مدينة «نيوم» الذكية، وحسب ما أوردته وكالة الأنباء السعودية «واس» فإن منطقة «نيوم» ستركز على تسعة قطاعات استثمارية مستقبلية متخصصة وهي: مستقبل الطاقة والمياه، ومستقبل التنقل والمواصلات، ومستقبل التقنيات الحيوية، ومستقبل الغذاء، ومستقبل العلوم التقنية والرقمية، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، ومستقبل الترفيه، وأخيرًا مستقبل المعيشة الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات.

كما سيعمل مشروع «نيوم» على جذب الاستثمارات الخاصة والشراكات الحكومية، وسيكون علاوة على ما سبق وجهة اقتصادية واستثمارية واعدة، إذ سيتم دعم المشروع باستثمارات تبلغ قيمتها 500 مليار دولار أمريكي من قبل المملكة وسيوفر فرصاً جاذبة للمستثمرين بالوصول للسوق السعودي مباشرة بلا قيود، بالإضافة إلى الأسواق العالمية.

كما سيتيح هذا المشروع الطموح - من خلال البيئة التنظيمية المريحة التي ستتمتع بها المنطقة - المشاركة في صياغة الأنظمة والتشريعات، كما سيحظى أصحاب الأعمال والاستثمار بدعم تمويلي لإقامة المشاريع التي تخدم أهداف مشروع «نيوم»، بالإضافة إلى أن المشروع سيكون منطقة خاصة مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى المفروضة عادة على الأعمال التجارية، فيما عدا الأنظمة السيادية؛ مما سيتيح للمنطقة القدرة على تصنيع منتجات وتوفير خدمات بأسعار منافسة.

وفضلاً عن ذلك سيوفر المشروع فرصة استثنائية للحدّ من تسرب الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عبر إتاحة فرصة الاستثمار داخل المملكة لكل من يستثمر أمواله في الخارج، وبالتالي تقليص التسرب المالي نتيجة توفر الفرص الاستثمارية الضخمة، كما سيخلق فرصاً جديدة للاستثمار في قطاعات جديدة ومبتكرة، بالإضافة إلى استفادة المستثمرين في المشروع من الموارد الطبيعية والطاقات المتجددة، يضاف إلى ذلك أن المشروع سيسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

وبفضل موقعها الفريد على البحر الأحمر، وشواطئها الخلابة، ومناظرها الطبيعية، فإن الفرصة مواتية لـ«نيوم» لتصبح الوجهة السياحية الأولى والمفضلة عالمياً بل وستصبح «نيوم» مهيأة لاستيطان ملايين البشر من المواطنين والمقيمين، كما ستحل «الروبوتات» بديلاً للبشر للقيام بالأعمال الشاقة والمهام المتكررة وذات الحساسية من أجل أن يتفرع البشر للقيام بالمهام الإجرائية والتنفيذية والإبداعية، كما يقدّم المشروع مزايا قيمة للشركات والأفراد، بحيث يلبي احتياجات المملكة، ويستقطب أفضل الشركات وأصحاب الكفاءات من جميع أنحاء العالم، وسيتم تطبيق أعلى معايير السلامة والأمان في مشروع «نيوم» عالمياً وأرقى الأنظمة الاجتماعية كركيزة أساسية للمعيشة المثالية المريحة والمنتجة معًا.

فذلكة ختامية: 

وأخيرًا، لعلنا نستلهم من تلك التجارب التي مرت بها وعايشتها بعض الدول العالمية والعربية والإسلامية نبراسًا مضيئًا ينير لنا دروب وآفاق التحول لنقل التقنية وغرسها وتوطينها في بلداننا العربية والإسلامية، وهذا التحول - بلا شك -  قد يصحبه متغيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية وعلى الإنسان في أي موقع كان، أن يعي عملية التكيف والتواؤم مع تلك المتغيرات.

وهذا الوعي ينبثق بلا شك من المؤسسات التعليمية بدءًا من التعليم الأوّلي ثم الجامعي ثم التخصص الدقيق والأبحاث، ويكون الغرض من ذلك تهيئة المسار المريح الذي تمر به التجربة العلمية عبر هذه المراحل المتتالية لتتفاعل وتأخذ نموها الطبيعي نحو الإدراك والاستيعاب والتطبيق.

وهناك أيضًا المؤسسات العلمية ودور البحث والمكتبات التي تقع على عاتقها مسؤولية جسيمة نحو تسيير دفة البحوث وإذكاء الأفكار ونشر المعارف ودعم الابتكارات ورعاية الإبداعات في مجالات التقنية المختلفة، وبهذا يتحقق الهدف نحو تنمية القوى البشرية وتطوير القوى الماهرة ورعاية الملكات الإبداعية وإيجاد بيئة تجمع في كنفها مظاهر الإنتاجية ونموذج العقل الشمولي الذي يوفر قاعدة مثالية لذلك، لذا فإننا نتطلع ونأمل أن نشهد في بلداننا العربية والإسلامية استمرارًا في نقل التقنية وبمعدل عال قد يستبق قدراتنا على الحفاظ عليها وتوطينها مما يلزم البحث عن السبل الكفيلة بإدارة التقنية بفهم أفضل وفعالية أكبر وشمولية أكثر، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

أ. د. عبدالله بن محمد الشعلان

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA