آفاق أكاديمية

الدكتور بين «التقاعد» و«التعاقد»

يقضي عضو هيئة التدريس زهاء الأربعين عامًا بين قاعات الدرس والمختبرات وبين المراجع والكتب، يصل إلى الجامعة في ريعان شبابه يافعًا فيجد ويكد في دراسته الجامعية ليحصل على أفضل المعدلات في تخصصه ويتم اختياره بين نخبة الطلاب معيدًا.

وينطلق في رحلة علمية ومشوار وظيفي فيبتعث سنين عددا إلى أرقى الجامعات العالمية ويمضي زهرة شبابه في بحث وتطوير وبناء معرفي ليسهر الليالي في سبيل تحقيق الهدف الذي ابتعث من أجله، وهو الحصول على أفضل ما توصلت إليه مراكز المعرفة والعلم.

وبعدها، يعود صاحبنا إلى أرض الوطن مفعمًا بالحيوية ومتوقدًا نشاطاً، ليبدأ رحلة العطاء وتقديم خلاصة ما تعلمه من علم ومعرفة لأبناء وطنه، لتمضي السنون والأعوام بين قاعات درس وبحوث ولجان وأعمال إدارية ومشاركات علمية، وبينما الأيام تخط وسمها عليه سراعًا وهو غارق في بحر الأعمال والمتابعات اليومية وفي قمة عطائه وحيويته يفاجأ صاحبنا ذات صباح بورقة تشير إلى أنه ضمن المتقاعدين وعليه أن يمدد أو يتقاعد وإن شاء تعاقد.

من المعروف أن الخبرات التراكمية والتطوير وصقل المهارات والمعارف تتحقق عبر النشاط الدؤوب في ميدان التخصص، و«الزمن» عنصر مهم في النضج، وهذا ما يتميز به أعضاء هيئة التدريس بالجامعات عبر المشاركات المستمرة بالمؤتمرات والندوات والبحوث، بما يعظم من إمكاناتهم الأكاديمية ويعزز مهاراتهم البحثية وعطاءاتهم المجتمعية، بل إن عضو هيئة التدريس يصل إلى قمة نضجه العلمي وبنائه المعرفي عندما يصل الستين.

ولا يفوت الملاحظ تزايد التقاعد لهذه الطاقات المؤهلة بشكل غير مسبوق، وبالتالي اضطرار إدارات الجامعات لزيادة التعاقد الخارجي والذي بدأ فعلاًً وهذا عكس التوجه القائم وهو السعودة.

ولعل المفارقة هي أن الجامعات الحكومية باتت محطة إعداد وتدريب وصقل مهارات الأستاذ إداريًا وبحثيًا ليصل ذروة النضج عند التقاعد، وبدلاً من الإفادة منه بتيسير إجراءات التعاقد نجد معوقات تضطر هذه الطاقات إلى الانصراف عن جامعاتها، وتدلف لأبواب الجامعات الخاصة لتستفيد الأخيرة من كادر مؤهل وجاهز وذي خبرة.

إن الجامعة هي بيت الوفاء وكنز العطاء، وبحمد الله جامعتنا منبر لغرس الأخلاقيات النبيلة، ليس منهجًا تعليميًا فقط، بل نجدها تتغلغل في أنظمتها ولوائحها وتوجيهاتها وإجراءاتها، وهذا الواقع والمأمول بالأخص للفئة التي جادت بزهرة عمرها في خدمة هذا الصرح الأكاديمي العملاق.

وقد وصلت للزاوية عدد من الملاحظات التي أتمنى أن يلمحها مسؤولو جامعتنا الموقرة، ومن ذلك:

- آلية التقاعد المعقدة والتي يصبح معها عضو هيئة التدريس «معقبًا» يمضي من جهة لأخرى وراء استكمال «إخلاء الطرف»، وهو ما يستنزف جهده ويجعله أحيانًا في مواقف لا تليق بمن قدم جهوداً كريمة لهذه الجامعة، وهو ما لا ترضاه إدارة الجامعة، لذا أتمنى أن تخصص عمادة أعضاء هيئة التدريس من يعقب على إجراءات الزملاء الكرام.

- أبدى بعض الزملاء تساؤله عن سبب تقليص مدة التعاقد من سنتين إلى سنة، وبالأخص للمتعاقدين الجدد، وهو ما يستهلك من الزميل والمجالس جهدًا ووقتًا لإجراء الموافقات.

- أشار زميل لحاجة المتقاعد لاستمرار بعض الخدمات واقترح بقاء الرقم الوظيفي مع سحب بعض الصلاحيات، ويستفاد من الرقم الوظيفي في الاستعارة من المكتبة ومراجعة المستشفى ودخول المواقف.

- ويلفت بعض الزملاء النظر إلى أن معايير التعاقد معهم في جوانب منها تخضع لآراء وتقييم جهات متعددة ومنهم الطلاب، وبالتالي قد تضطر هذه الكفاءات -أحيانًا- إلى مجاملة تلك الأطراف بطريقة غير ملائمة، لذا ينبغي وضع معايير دقيقة تستند إلى جودة الأداء أكثر من الآراء الشخصية.

بقي أن نقول إن إدارة الجامعة تبذل جهودًا مشكورة لدعم ورعاية منسوبي الجامعة عامة، والمأمول أن تكون هناك لقاءات مع زملائنا المتقاعدين من أعضاء هيئة التدريس، والتعرف على آرائهم ومقترحاتهم، وهو ما سينعكس إيجابًا على الطرفين و يعزز روح الولاء والانتماء في عصب العملية التعليمية وهم أعضاء هيئة التدريس.

د. عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA