المستشفى والمجتمع «2/3»

زاوية: رؤية اجتماعية

عرف المسلمون المستشفيات المتنقلة والثابتة منذ عهد مبكر؛ فحين أصيب سعد بن معاذ رضي الله عنه في أكحله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بجعله في خيمة الصحابية الجليلة رفيدة الأسلمية حتى يعوده من قريب، وأحضر له بها ما يحتاجه من تمريض وعلاج ودواء، فكانت أول مستشفى حربي متنقل، ثم اتسعت فكرة المستشفيات لدى الخلفاء والملوك وجهزوها بكل ما يحتاجه المرضى من أطباء وصيادلة وتمريض وعلاج وأدوية وأشربة وملابس ونحوها.

كما عُرف الوقف الإسلامي منذ عصر البعثة المحمدية، وأقبل عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم استجابة لنداء الله تعالى «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم» سورة آل عمران: 92، ولنداء رسوله صلى الله عليه وسلم في الإنفاق في سبيل الله، فعن أبي هريرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

إن المتتبع لتاريخ الطب والمستشفيات في الإسلام يجد تلازماً شبه تام بين تطور الأوقاف واتساع نطاقها وانتشارها في جميع بلاد المسلمين من جهة وبين تقدم الطب كعلم ومهنة والتوسع في مجال الرعاية الصحية للمواطنين من جهة أخرى، حيث يكاد يكون الوقف هو المصدر الأول والوحيد في كثير من الأحيان للإنفاق على العديد من المستشفيات والمدارس والمعاهد الطبية، وأحياناً تجد مدناً طبية متكاملة تمول من ريع الأوقاف، علاوة على ما تقدمه الأوقاف من أموال تصرف على بعض الأمور المتعلقة بالصحة مثل: الحمامات العامة وتغذية الأطفال ورعاية العاجزين وغير ذلك.

وقد ظل الحال على ذلك قروناً عديدة، ولذا يذهب كثير من المحللين للتاريخ الإسلامي إلى أن التقدم العلمي وازدهار علم الطب والصيدلة والكيمياء في بلاد المسلمين كان ثمرة من ثمرات نظام الوقف الإسلامي.

يتضح مما سبق اهتمام الإسلام بصحة أفراد المجتمع وتقديم الرعاية الطبية في جميع أرجاء الدولة الإسلامية، وهذا واضح في تسيير المستشفيات المتنقلة «المحمولة» إلى المناطق النائية والقرى، لمعالجة المرضى والمصابين وتزويدهم بالأدوية والمستلزمات الطبية.

كما ركز الإسلام على مسألة الوقف الصحي وأولاها عناية فائقة، والمجتمع السعودي اليوم في أمس الحاجة لإعادة النظر في مسألة الوقف الصحي الإسلامي لتخفيف الضغط المتزايد على الخدمات العلاجية والمستشفيات، وذلك من خلال مشاركة المحسنين ورجال الأعمال في بناء المستشفيات المتخصصة في جميع مناطق المملكة، وبالأخص في بعض المناطق النائية التي تفتقر إلى وجود مستشفيات ذات تقنية عالية وبكوادر طبية وصحية وإدارية عالية الكفاءة، ومشاركتهم في تحسين أوضاع الناس الصحية، ونشر الوعي الصحي والتقليل من الذهاب إلى المستشفيات قدر الإمكان، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء. 

د. علي بن أحمد السالم

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA