آفاق أكاديمية

اكتشاف أثري غير مسبوق .. أين الاستثمار؟

منذ بضعة أسابيع نشرت مجلة Nature Ecology & Evolution  الشهيرة والأولى عالميا مقالاً عن اكتشاف أقدم بقايا بشرية في المملكة العربية السعودية، والتي تعود إلى حوالي ٨٥ ألف سنة مضت، وقد ساهم فريق علمي يتبع لمشروع الصحاري القديمة برئاسة أ. د. مايكل بتراجليا من معهد ماكس بلانك في ألمانيا، ود. عبدالله بن محمد الشارخ، الأستاذ بقسم الآثار بالجامعة ورئيس الفريق العلمي من الجانب السعودي، تحت مظلة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني برئاسة الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، في هذا الاكتشاف.

وعلى الرغم من الإنجازات العلمية العديدة التي حققها الباحثان في هذا المشروع العلمي لخدمة دراسة آثار المملكة ومكانتها الحضارية في العالم، فإن اكتشاف جزء من عظم إصبع بشري ودراسته من قبل فريق الباحثين وتحليله وتأريخه لم يكن مجرد اكتشاف عابر، فقد غيّر المفاهيم السائدة حول وجود الجماعات البشرية خارج قارة أفريقيا، وانعكاس ذلك على العالم أجمع، وإن مساهمة علم الآثار في فهم تاريخ الحضارة البشرية يُعزّز ويُبرز دور شعوب الجزيرة العربية في عصور ما قبل التاريخ، ومسؤولية علماء الآثار في العصر الحاضر في التعريف بجهود أسلافنا الذين عاشوا على هذه الأرض الطيبة.

لقد رافق اكتشاف البقايا البشرية في موقع الوسطى بصحراء النفود العثور على مئات الأدوات الحجرية وعشرات البقايا العظمية الحيوانية، والتي تشير إلى أحوال معيشية وظروف مناخية مناسبة لعيش الإنسان والحيوان في مناطق أمست حالياً صحاري قاحلة، ولعل ما ينبغي تسليط الضوء عليه هنا، هو التغطية الإعلامية الخجولة لهذا الاكتشاف الحضاري الهام من قبل إعلامنا بشكل عام والجامعة بوجه خاص، ولعل كون د. الشارخ عضو الفريق العلمي والباحث الوحيد بالمشروع من جامعة الملك سعود والذي ساهم بجهده الذاتي على مدى سنوات في البحث العلمي الجاد في أن يقترن اسم الجامعة بهذا الاكتشاف الهام على الصعيد العالمي؛ فإن أدنى ما يمكن عمله هو أن توفر له الجامعة الدعم الكافي لقاء جهوده وعطائه على مدى ثلاثة عقود وإنجازاته التي يشهد له بها الباحثون والمتخصصون داخلياً وخارجياً، ومن ذلك تأسيس مركز بحثي أو كرسي بحث برئاسته على غرار كرسي مستحق في اللغة العربية للدكتور المانع، وليتمكن من مواصلة عطائه وإنجازاته، ويدرب جيلاً من الباحثين الشباب لحمل شعلة ولواء المعرفة.

إن هذا المقترح يَصب في صميم رؤية ٢٠٣٠ وذلك بأن تحقق جامعاتنا الآمال التي يعقدها خادم الحرمين الشريفين، رجل التاريخ الأول، في الوصول بدراساتها وأبحاثها للمستويات العالمية المأمولة، وهذا قبس يسير من كلمته الضافية للفائزين بجائزة الملك عبدالعزيز للكتاب، والتي كان من بين الفائزين عدد من منسوبي الجامعة ومنهم الزميل الشارخ. 

عودتنا الجامعة أن تدعم الباحثين المتميزين وأن تيسر لهم كافة السبل التي تمكنهم من الإنجاز والتميز، ومن المؤمل أن لا تعرقل البيروقراطية برامجهم العلمية وخططهم البحثية ومشاركاتهم الدولية، ففي النهاية، فإن الجامعة هي من تجني ثمار نجاحاتهم وترفع بها رأس الوطن.

د. عادل المكينزي

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA