الواقع الافتراضي مفهومه وتطبيقاته واستثماره

نحن ندرك كنه العالم من حولنا من خلال حواسنا الخمسة؛ الذوق واللمس والشم والبصر والسمع، وهذه الحواس هي التي تضمن تدفق المعلومات من البيئة المحيطة بنا إلى أذهاننا. وكل معرفتنا بالواقع المحيط بنا هي نتاج المزج بين المعلومات التي تنقلها لنا الحواس الخمسة وبين آليات تحويل هذه المعلومات إلى مدركات في أدمغتنا، ومن ثم فإذا استطعنا تزويد حواسنا بمعلومات مصنَّعة وليست حقيقية، فإن عقولنا حينئذ ستدرك واقعا ليس موجودًا بالفعل، وهو ما يطلق عليه الواقع الافتراضي، فالواقع الافتراضي إذاً هو خلق بيئة افتراضية أمام حواسنا بطريقة تجعلنا نتعامل معها كما لو كنا متواجدين فيها بالفعل.

أما من الناحية التقنية فإن الواقع الافتراضي هو المصطلح المستخدم في وصف البيئة ثلاثية الأبعاد التي يتم تخليقها بواسطة الحاسوب، بحيث يكون الشخص المستخدم لها جزءًا منها، لذا يحتاج إلى مجموعة من المستشعرات مثل سماعات الرأس أو النظارات أو القفازات الخاصة، التي تستخدم لتحفيز حواسه من أجل خلق هذا الواقع المتوهم، فتتحول من كونها مجرد بيئة تتضمن عناصر مُخلَّقة بواسطة الحاسوب إلى بيئة قادرة على تمكين هذا الشخص المغمور فيها من تشكيل المعاني الدلالية المتعلقة بهذه العناصر، وتحويله إلى شخص فاعل يمكنه استكشافها والتفاعل معها كما لو كانت حقيقية، ويكون في نفس الوقت قادرًا على التعامل مع مكوناتها أو تنفيذ سلسلة من النشاطات المتعلقة بها.

جدير بالذكر أن بيئة الواقع الافتراضي ينبغي أن تقدم - للأشخاص المتفاعلين معها - استجابات مناسبة في الوقت الفعلي، بحيث يبدو النشاط التفاعلي واقعيًا، أما إذا كان هناك تأخير بين تصرفات الشخص واستجابة النظام الافتراضي، فإن ذلك يؤدي إلى أن يدرك الشخص أنه في بيئة اصطناعية، مما يؤدي إلى نتائج تتنافى مع ما كان يصبو إليه.

وقد يتساءل البعض لماذا نخلق واقعًا افتراضيًا؟

تظهر الإجابة على ذلك مباشرة من حجم صناعة الترفيه التي تبلغ مليارات الدولارات، والتي تعتمد على تطبيقات الواقع الافتراضي فيما تنتجه من أفلام مجسمة وألعاب فيديو، ولا يفهم من ذلك أن استخدام الواقع الافتراضي يقتصر على صناعة الترفيه، فقد أدى انخفاض تكلفة إنتاج تطبيقاته إلى توظيفه في مجالات أخرى كثيرة ومثيرة.

ففي المجالات التي يكون فيها فعل الأشياء خطيراً ومكلفاً أو غير عملي، يقوم الواقع الافتراضي بتقديم بدائل عملية قليلة التكلفة، مثل تطبيقات محاكيات الطيران التي تستخدم في تدريب الطيارين أو التطبيقات الطبية التي تستخدم في تدريب الجراحين، حيث تتيح هذه التطبيقات التعرض للمجازفة الافتراضية – غير المصحوبة بالمخاطر - من أجل اكتساب الخبرة الحقيقية التي نستخدمها في واقعنا الحقيقي.

وفي مجال الثقافة، يتم عرض مقتنيات المتاحف بصورة غنية بالمحتوى الوجداني والمعلوماتي باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي، الذي يتم من خلاله دمج هذه المقتنيات في بيئة من الوسائط المتعددة، ومزجها مع المشاهد المرئية والأصوات والعطور، بما يؤدي إلى زيادة الشعور بالاندماج مع السياق التاريخي لها.

كما تسمح تقنيات الواقع الافتراضي بالاستمتاع بمقتنيات غير متاحة في وقت العرض، وهي المقتنيات شديدة الحساسية التي يمكن أن تتهشم عند عرضها, أو التي لا يمكن عرضها خارج بيئتها الحافظة لها، أو تلك المدفونة في الأتربة على رفوف المتاحف، وهي أمور تنسحب على المباني الأثرية كذلك، بل وعلى المباني التاريخية التي اندثرت. 

كما تستخدم تطبيقاته في العناية بالجروح وعلاج الحروق والعلاج الطبيعي وتخفيف آلام الأسنان والتجول داخل المدن أو المساكن وزيارة الأماكن السياحية على مستوى العالم، وحضور الحفلات أو المحاضرات البعيدة، وغير ذلك كثير في مجالات الهندسة المعمارية والرياضة والفنون والتعليم.

أ. د جبريل بن حسن العريشي

أستاذ علم المعلومات

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA