حتى لا ترسب في الاختبار

 

 

 

من أعظم نعم الله علينا، نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة، وهذه النعمة تستوجب على المسلم شكر الله عليها، ولا أحبّ عند الله من شكر المسلم على هذه النعمة من التزامه الصادق بدينه، وتجسيد قيمه، ومبادئه في سلوكه.

أعني الالتزام الذي يحقق المقاصد الربانية في الشعائر والأحكام فتكون لها قيمة عملية، وثمرة إيجابية في واقع الناس؛ من صدق في الحديث، وارتقاء في التفكير، وسمو في النفس، وإتقان للعمل وتهذيب للذوق، وبهذا يكون المسلم صاحب رسالة سامية مؤثرة، يتأثر الناس بلسان حاله، لا بلسان مقاله، ويعكس أجمل صورة عن دينه بأخلاقه وقيمه.

يُحكى أن أحد المسلمين انتقل للسكن في مدينة لندن ببريطانيا؛ ليقترب قليلاً من مكان عمله، وكان يستقل الحافلة غالباً من منزله إلى مكان عمله، وخلال تنقله بالحافلة كان في الغالب يستقل نفس الحافلة بنفس السائق، وذات مرة دفع أجرة الباص، ثم جلس فاكتشف أن السائق قد أعاد له «20» بنساً زيادة عن المفترض من الأجرة.

«الجنية الإسترليني = 100 بنس ، 20 بنسًا تعادل 1 ر. س تقريباً».

فكّر المسلم وقال لنفسه: إن عليّ إرجاع المبلغ الزائد؛ لأنه ليس من حقي. ثم فكّر مرة أخرى وقال في نفسه: إنسَ الأمر، فالمبلغ زهيد، وضئيل، ولن يهتم به أحد، كما أن شركة الباصات تحصل على الكثير من المال من أجرة الباصات، ولن ينقص عليهم شيئاً بسبب هذا المبلغ. إذن سأحتفظ بالمال وأعتبره هدية من الله وأسكت.

توقف الباص عند المحطة التي يريدها المسلم، ولكنه قبل أن يخرج من الباب، توقف لحظة ومدّ يده وأعطى السائق العشرين بنساً وقال له: تفضل، أعطيتني أكثر مما أستحق من المال! فأخذها السائق، وابتسم وسأله: ألست  المسلم الساكن الجديد في هذه المنطقة؟! إني أفكر منذ مدة في الذهاب إلى مسجدكم للتعرف على الإسلام، ولقد أعطيتك المبلغ الزائد عمدًا؛ لأرى كيف سيكون تصرفك، وهل ما زال الإسلام قويًا كما كنت أسمع؟!

عندما نزل المسلم من الحافلة شعر بضعف في ساقيه، وكاد أن يقع أرضاً من رهبة الموقف، فتمسك بأقرب عمود؛ ليستند عليه، ونظر إلى السماء ودعا باكيًا: رحماك يا الله، كدت أبيع الإسلام بعشرين بنسًا!

قد يتكرر هذا الموقف مراراً وتكرارًا – يا عزيزي – بصور مختلفة وبأشكال متعددة، وتكون أنت في اختبار حقيقي، سواء كنتَ في بلادك أو في بلاد الغربة أو الدراسة أو السياحة، ولا تستشعر ساعتها أن أعين الناس معقودة على سلوكياتك التي جعلوا منها نوافذ ينظرون من خلالها إلى دينك، ليرسموا صورة دينك في أذهانهم، ويبنوا عليها أحكاماً قد تكون جائرة، وتعميمات ظالمة، بسببك، فجّمل – يا عزيزي - مواضع أنظار الناس بجميل قيمك، وحسن أخلاقك، ونبل طباعك، فتتجاوز قنطرة الفشل، مساهمًا بذلك في عدم وقوع أمتك في هاوية السقوط الحضاري.

ومضة: لا تضعْ سُلّمك على الحائط الخاطئ؛ حتى لا يكون على حساب كرامتك أو أهلك أو دينك.

د. فهد عبدالقادر الهتار

خريج كلية التربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA