الخضرة والماء و«المبنى» الحسن

زاوية: عمرانيات

 

 

 

في الستينات الميلادية من القرن الماضي، كانت إذاعة «لندن» التي تعرف الآن بالبي بي سي، تذيع برنامجًا أدبيًا، اسمه «قول على قول» كان يكتبه ويقدمه المرحوم حسن الكرمي.

سأله أحد المستمعين مثلاً: من القائل وفي أية مناسبة «أراك عصي الدمع شيمتك الصبر»؟ فأجاب الكرمي أن القائل هو أبو فراس الحمداني، وسرد الظروف التي قال فيها هذه القصيدة.

كنت مراهقا حينئذ، لكني تجرأت وأرسلت له رسالة أسأله فيها عن بيت الشعر «ثلاثة أشياء تذهبن الحزن: الخضرة والماء والمبنى الحسن». فرد علي رحمه الله أن قائل هذا البيت لا بد أن يكون معماريا، ذواقًا للجمال والعمارة.

والحسن هنا لا تعني الجيد من الناحية التصميمية، ولكن تعني جميل المظهر، فالحُسْن هو الجمال، والمباني الجميلة، كالنساء الجميلات، تسر الناظر رؤيتها، وبالتالي الشعور بالسرور يذهب الحزن.  

أي أن أحد وسائل الترفيه عن سكان المدينة هو بناء مبانٍ جميلة. كما أن التخلص من المباني «القبيحة» يقلل من أسباب حزن وكآبة سكان المدينة.

 واستطرد المرحوم حسن الكرمي قائلاً: أما كيف نزيد من فرص الحصول على مبانٍ جميلة فهناك عدة طرق، نذكر منها اثنتين: أن نعلم طلبتنا في كلية العمارة تذوق الجمال، والأخرى أن تضع البلدية قوانين تمنع تشويه المباني، كما يحصل بسبب وضع لوحات المتاجر بطريقة عشوائية على واجهات المباني. أما بالنسبة لتدريس العمارة، فعلينا أن نقدم لطلبتنا دروسًا في الفن، ولا نقتصر على المواد التقنية أو الوظيفية.

رويت هذه القصة لصديق لي، فقهقه ضاحكًا، وقال لي: والله يا دكتور إنك كما نقول بالعامية «خراط»! فقلت له متفاجئًا من صراحته: كيف تقول هذا يا رجل؟ وما مصلحتي في هذا «الخرط»؟!

قال صديقي: بيت الشعر يقول «ثلاثة أشياء تذهبن الحزن، الخضرة والماء والوجه الحسن» وليس المبنى الحسن! ما أخال إلا أنك تريد أن تحاضر علينا عن أهمية الجمال المعماري، ولكن بطريقتك الفكاهية المعهودة. قلت له: «سامحك الله يا صديقي، وما الخطأ في ذلك؟!.

د. محمد حسين إبراهيم

أستاذ التخطيط العمراني المشارك

iimohammad@ksu.edu.ss

كلية العمارة والتخطيط

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA