التراث والتنمية علاقة جدلية «2-2»

 

 

يعد التراث أحد القطاعات الحيوية في السياسات المنتهجة في الوقت الراهن، وتركن إليه المجتمعات المتطورة كأحد البدائل للقضاء على كثير من المشكلات، فأصبح التراث الثقافي من أهم مصادر الثروة المستمرة، وعنصراً رئيساً من عناصر التنمية الاجتماعية والإنسانية، وتم إدماجه ضمن برامج التنمية المستدامة.

وأذكر أنني قرأت تقريراً لخطة عام 2030م، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أدرجت فيها الثقافة للمرة الأولى، من خلال التراث الثقافي والإبداع، وأكدت أنها محرك هام للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، واعتبارها عاملاً تمكينياً للتنمية المستدامة، ومساعدة الدول الأطراف والممارسين والمؤسسات والمجتمعات، من خلال التوجيه الملائم، لتسخير إمكانيات التراث العالمي للمساهمة في التنمية المستدامة، مع تعزيز الأبعاد الثلاثة لاستدامة التنمية، والمتمثلة في الاستدامة البيئية، والتنمية الاجتماعية الشاملة، والتنمية الاقتصادية، فضلاً عن تعزيز الأمن والسلام.

وغنيٌ عن البيان، تلك القضايا التي ينبغي معالجتها عند الحديث عن الدور الحاسم للتراث والتي تشمل التخطيط، والترميم، والحفاظ، والإحياء، وإعادة التأهيل، والسياحة المستدامة، ومتطلبات السائحين، والمشاركة المجتمعية، مع الاستفادة من التجارب العالمية في الحفاظ على الموارد التراثية، وإيجاد سياحة ثقافية بأساليب جديدة.

على أي حال، لن ننظر إلى ما يحدث اليوم على بعض الأرض العربية ذات المقدرات التراثية والتحديات الكبيرة التي يتعرض لها التراث الثقافي، وسنستشرف المستقبل بنظرة طويلة، ما دمنا نأمل في تعديل الحال وصلاح المآل.

فمن واجبنا أن نسهم في رفع الوعي، لما من شأنه حماية التراث واستثماره في عمليات التنمية المنشودة. كما ننتظر - في عصر السماوات المفتوحة والإعلام الجديد- دوراً تثقيفياً للإعلام يوعي المجتمع بأهمية هذا التراث، وقدرته على خلق مشاريع ربحية تعيد ضبط البوصلة الاقتصادية لأفراد المجتمع.

المملكة باعتبارها من البلدان الغنية بتراثها الثقافي، فإنه من المهم أن نشير إلى ما تملكه من عناصر تراثية وثقافية فريدة ومتميزة، وذات ديناميكية عالية بكل مفرداتها التي تنتشر في جميع المناطق، ويُمكنها أن تكون مرتكزاً أساسياً في العملية التنموية مستقبلاً، ويجعل منها ثروة حقيقية في توسيع خيارات المجتمع في التمتع بمستوى اقتصادي أفضل إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار المشاركة المجتمعية في الحفاظ عليه واستثماره والأخذ بعوامل ازدهاره ضمن عناصر المنظومة التنموية.

لقد قطعت المملكة شوطاً كبيرًا في مشوار تنمية التراث، والبرامج التي تؤسس لتنمية تراثية حقيقية، من خلال القواعد الصلبة التي رسختها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ابتداءً من إدراجه بعمق في التحليلات والنقاشات ودائرة الضوء المجتمعي، مروراً بعمليات التأهيل التي خضعت لها كثير من المواقع والبلدات التراثية كجزء من برنامج خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري، وصولاً إلى العالمية التي احتلتها كثير من المواقع على قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي.

نستطيع في ضوء كل التحليلات السابقة، التأكيد على حقيقة هامة مفادها أن التراث بكل أبعاده ومساراته يشكل قضية أساسية لا يمكن تجاهلها، والأداة الحاسمة لتنفيذ وإنجاح برامج التنمية، وبقدر ما تتحقق الأهداف الاقتصادية على الأمد القصير عبر توظيف التراث الثقافي في مجال السياحة بقدر ما يكون ذلك خير سبيل لإحداث تنمية محلية مستدامة على الأمد الطويل تنقل للأجيال القادمة تراثاً محفوظاً وبيئة سليمة، ودمتم طيبين.

د. ياسر هاشم الهياجي

كلية السياحة والآثار

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA