الهوية بين التجديد والثبات

 

 

 

تعد الهوية مرآة تعكس الفكر والثقافة والمبدأ والمكانة والتاريخ والحضارة، وهي الكينونة البارزة في شكل أيقونة أو شعار يخلد في ذاكرة البصر، فلا يعود بعدها لصورة مشابهة أدنى تشابه، إذ هي البصمة التي تفرق بين التوأمين والرقم الفاصل بين العددين.

وتتبلور أهمية الهوية في قدرتها على حمل أهداف وطموحات الذات التي تصورها، وكلما كانت الذات متعددة الرؤى ومستفيضة القيم وولادة للإبداعات ومحفزة للابتكارات، كانت هويتها محددة ومقننة تعكس كل ذلك بحكمة وشفافية وحسن ذكاء، وإذا كان هذا هو حال المؤسسات أيًا كانت، فما ظنكم بمؤسسة أكاديمية ترسم لذاتها مستقبل العالمية كما هي جامعة الملك سعود.

هناك مجموعة أسئلة يمكن طرحها للتعرف على الهوية الخاصة بجامعة الملك سعود؛ نتساءل مثلاً تحت أي تصنيف نضع جامعة الملك سعود من حيث تخصصات الأقسام العلمية هل هي جامعة بحثية أم خاصة بالعلوم الإنسانية، أم هي تطبيقية أم صناعية أم هي كل ذلك؟

سؤال آخر كم في المئة تشكل هوية جامعة الملك سعود من هوية المملكة العربية السعودية؟ وما أوجه التشابه بينهما؟ وكم في المئة تمثل هوية جامعة الملك سعود ثقافة المجتمع السعودي؟ وكم في المئة تخدم هوية جامعة الملك سعود مستقبل التوظيف وقطاع الأعمال؟

وسؤال هام: طلاب الجامعة وأعضاء هيئة التدريس والكادر الإداري وهويات كل هؤلاء المتعددة كيف تجانس هوية جامعة الملك سعود بينهم؟ وأخيراً هل مفهوم الهوية واضح لدى الجميع؟ إن كانت الإجابة بلا، فما هو سبب جهل البعض بها؟

ولتبسيط القول حول تعريف الهوية نقول إنها مصطلح يطلق على الذات وما تنطوي عليه من قيم وآراء ومواقف وسلوكيات ومُثل ومبادئ وعقيدة ولغة وحضارة وثقافة، ومن سماتها التأثير والتأثر، مما يجعلها متحركة غير ثابتة، قابلة للتطوير والتجديد لمواكبة أهداف سياسية واجتماعية وتعليمية. ويقول الجرجاني في كتابه التعريفات: «الماهية مثل الهوية هو جواب عن السؤال ما هو؟».

ولكل هوية ثوابت ومتغيرات تماما كساقَي الفرجار، فالمتغيرات لا تنافي الثوابت بل تدور حولها وتنبع من قيمها وتصب في مصلحتها، والهوية هي الأيديولوجية المختفية في أبنائها الظاهرة على لسان حالهم، هي اللاوعي البارز في السلوك، وبالتالي الهوية معيار يحاسب عليه بالثواب والعقاب.

تتداخل الهوايات عند انتساب هوية أصغر لهوية أكبر وتتفاعل في ظل ثقافة المنظومة، فالأماكن ذوات لها هويتها والزمان هوية تاريخية تميزه عن غيره، والسلطات والحكام هوية لبلدانهم والموظف يؤثر ويتأثر بهوية المؤسسة، ويعتمد مقدار التأثر على مدى الاهتمام من عدمه.

وكل هوية تعكس جزءاً من هوية أكبر منها تندرج تحت مظلتها، فالجامعات لها هوية تعكس هدفها الرئيس فإن كانت كجامعة الملك سعود جامعة تعليمية فبالتالي ستكون هويتها بارزة في المجال التعليمي مميزة لها عن بقية الجامعات التعليمية؛ فأين التفرد الذي بهوية جامعة الملك سعود ولا يوجد في غيرها؟!

هذا سؤال يجيب عنه حتماً شخص ذو هوية لأنه يبحث عن تطوير هويته ضمن الاستفادة من الهوية الوظيفية أو الأكاديمية أو التعليمية التي يعمل أو يدير فرعاً هاماً فيها أو يتعلم داخل أروقتها.

أ. نهلاء بندر البنيان

معهد اللغويات العربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA